التأثيم في نقد الزعيم!

تغريدة صغيرة نشرها الدكتور سلمان العودة على موقع تويتر، تثير قريحة هارون ي. زيلين زميل ريتشارد بورو في برنامج خاص للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، فيكتب مقالا طريفا حول اعتناق السلفيين لمبدأ الديمقراطية، كتب العودة يقول: «قد لا تكون الديمقراطية نظاماً مثالياً، لكنها الأقل ضرراً، ويمكن تطويرها وتكييفها لكي تستجيب للاحتياجات والظروف المحلية» العودة كما يبدو استلهم مقولة تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل عندما قال: «يُقال إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم باستثناء جميع الأشكال الأخرى التي تمت تجربتها»..
حسبما يرى هارون زيلين، وهو مختص بالبحث عن كيفية تكيف الجماعات الجهادية مع البيئة السياسية الجديدة في عصر الانتفاضات العربية وعلى السياسة السلفية في البلدان التي تنتقل إلى الديمقراطية، تغريدة العودة لها دلالة بالغة الدلالة، في انخراط الحركة السلفية، ومن قبلها جماعة الإخوان المسلمين، في العملية السياسية وعملية التغيير الديمقراطي السلمي في البلاد العربية..
حسنا، هذا ليس موضوعنا على نحو محدد، لفت نظري في سياق متابعتي لتسلم إسلاميين للسلطة في غير بلد، مدى تحمس مريديهم لهم ومدى انتصارهم لهم، ظالمين أو مظلومين، حتى أنك لم تعد تستطيع أن تنتقد زعيما إسلاميا دون أن تدخل في دائرة «التأثيم» ولا أريد أن أقول «التكفير» وهدر الدم، هذا ببساطة شديدة مناقض لأبسط قواعد الديمقراطية وتداول السلطة، ناهيك عن تصادمه الشديد مع أبسط مبادىء الإسلام، الذي أضفى البعد البشري على نبيه صلى الله عليه وسلم، فما بالك بخلفائه وأتباعه، وأتباعهم؟
مرسي مثلا، زعيم سياسي ورئيس دولة منتخب «ديمقراطيا» وليس شيخ طريقة، ولهذا معارضته ليست معصية، بل هي واجب، وعين الرضى عن كل عيب ليست كليلة في السياسة لأن السياسة ليست حبا، بل هي فن الممكن، وفن الممكن حمال أوجه، واحتمالات الخطأ فيه واردة بقوة، هذا الأمر ينقلنا مباشرة إلى مقولة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبي بكر رضي الله عنه:
إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، وكررها مرسي غير مرة في بدايات تنصيبه رئيسا لمصر، فقال: لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، كل هذا يعني أن أبناء الشعب ليسوا مريدين، والزعيم ليس شيخا، يقلب المريد بين يديه كما يقلب الرجل الميت وهو يغسله!
ما عانت منه دول بهذا الشأن، عانت منه تنظيمات إسلامية وغير إسلامية، لاحقت أعضاءها بسبب نقدهم لـ «شيوخ» التنظيم، بوصفه تمردا على الطاعة، ومناهضة لولي الأمر، وكم سمعنا عن ملاحقات تنظيمية لأعضاء متمردين، لم يؤجروا عقولهم كمريدين!
تأليه الزعيم، وتصنيمه، جاهلية مستعصية، مرفوضة، سواء ارتدت لبوسا دينيا أو دكتاتوريا، أو قانونيا، فلا عصمة إلا لنبي، ولا أحد فوق النقد والمساءلة، مهما علا شأنه، وأي تشريع أرضي يصادم هذه المفاهيم البالية مصيره إلى زوال، فهذا عصر الشعوب!
( الدستور )