عالم مجنون

كنت أنوي النزول الى وسط البلد وكان الوقت مساء، وحينما تعبت من مد يدي الى سائق التاكسي الذي حينما كان يسألني الى اين انا ذاهب فينتفض بدنه رفضاً، ولهذا اضطررت ان أقف بانتظار باص المؤسسة، وحينما اطل عليّ الباص وتوقف عندي صعدت درجاته وفوجئت بيد سمينة ووسخة تمتد الي تريد أن تقبض مني الأجرة، فانتفض السائق قائلاً لي لا تعطه شيئاً فهذا مجنون. دفعت للسائق الأجرة واتخذت مكاني في منتصف الباص تماماً، وكان عليّ بعد ذلك ان اسمع قهقهات الرجل المجنون التي تعبر عن جنون حقيقي، هذا اضافة الى تعمده اخراج اصوات هي اقرب الى اصوات الحيوانات.
لكن فجأة اختلف المناخ العام للجنون الذي يهيمن على هذا الباص تحديداً وذلك حينما صعدت تلك المرأة الخمسينية الى داخل باص المؤسسة وقفت أمام السائق تماماً بملامحها التي تتطاير شرراً وهي تتوعد السائق قائلة: من الآن قل لي اي الطرق ستسلك، أنا ذاهبة الى «رغدان» ولا أريد أن تدخل بنا في نفق وادي الحدادة اريد أن تذهب الى وسط البلد!
كانت المرأة بشعرها المنفوش وانفها الدقيق وبتلك القسوة الشريرة التي تطل من عينيها تبدو وكأنها جاهزة لأي شجار وقد بدأت شجارها مع الركاب جميعاً، وكنت انا اجلس في منتصف الباص تماماً متحاشياً النظر اليها.
وكانت المفاجأة حين عرضت عليها احدى الصبايا ان تشاركها الجلوس في المقعد الفارغ الذي يجاورها، فما كان من المرأة الا ان صرخت في وجهها قائلة لها» من قال لك اني اريد الجلوس انا احب ان اظل واقفة هكذا لا لشيء سوى انني لقيطة وابنة لقيط، نعم نحن ابناء حرام وقد تأكدت من ذلك حينما هاجرنا من الكويت الى هنا حيث تسبب البغاة في تشتيتنا.
وتابعت المرأة بعد ان صار بعض الركاب الاشقياء يماحكونها قائلين :الأخت لم تخطىء معك هي فقط دعتك للجلوس.
المرأة تنمرت هذه المرة وهي تصرخ : ولكن من قال لكم اني أود الجلوس انا احب ان أقف هكذا ايها اللقطاء!! انا امرأة محترمة كنت معلمة في الكويت لا بل كنت رئيسة قسم، انا لا احب الجلوس بجانب اي واحد منكم.
تأملت المجنون الأول الذي مدّ لي يده الوسخة وتأملت هذه المرأة المجنونة بهذه العلنية الموجعة ونهضت وانا اطالب السائق بالتوقف. وحينما سرت وحدي اخذت اتابع حركة الباص وانا افكر بالجنون الذي صار ينتشر بين الناس كالزكام!!
( الدستور )