الاستدارة نحو الإصلاح!

النصيحة الثمينة التي يقدمها استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الاخير هي: “استديروا نحو الاصلاح”، الارقام بالطبع تتكلم بصراحة عن الحالة التي وصلت اليها بلادنا بعد نحو عامين من التعايش مع أزمة تلو اخرى، ومن “العنادة” استسهال تجميل الواقع، كما ان آراء العينات المستطلعة لا تعكس فقط موقف النخب وانما تعبر عن “الناس” بأغلبيتهم، وبالتالي فنحن امام “بيان” شعبي لم تصدره الحراكات لكي نقول أنه مبالغ فيه، ولم نسمعه من “المحتجين” على دوار الداخلية لكي نفكر “بالتصدي” لهم واسكاتهم كالعادة.
أهم ما تضمنته نتائج الاستطلاع هو تشخيص حالة “الاردنيين” في ظل واقع سياسي ملتبس واوضاع اقتصادية صعبة ومحيط عربي واقليمي “ملتهب”، وهذه الحالة -كما عكستها الارقام- تقول أن “مجتمعنا ليس بخير”، فنحن لا نشعر في الاتجاه الصحيح، والشعور بالامن تراجع كثيرا مقابل تصاعد الاحساس بالخوف، وثقة اغلبية الناس بالحكومات تقهقرت للوراء، وما نسمعه من اصداء تتردد في الشارع ليست الا جزءاً من الخيبة التي تسربت الى قطاعات كثيرة في مجتمعنا، وربما تكون هذه المرة الاولى التي تسربت الى قطاعات كثيرة في مجتمعنا، وربما تكون هذه المرة الاولى التي يعكس فيها استطلاع للرأي مدى “التيه” الذي نسير فيه دون ان نعرف الى اين نسير.
النتيجة -بالنسبة لي على الاقل- ليست مفاجئة، فعلى مدى العامين المنصرمين كتبت في هذه الزاوية مئات المقالات عن حالة “الانسداد” السياسي التي وصلنا اليها، وعن “تهافت” مقولات “العافية” التي حاول البعض تزيين واقعنا بها، ودعوت -مرارا- الى دفع عجلات “قطار” الاصلاح لوقف قطار “نفاد صبر” الناس الذي بدأ يسير بسرعة جنونية. لكن يبدو ان اخواننا الذين ينظرون الى “الازمة” من بوابة “عدد” المظاهرات والاحتجاجات ونصائح امكانية “ضبطها” واختراقها.. كان لهم رأي آخر، الى ان وصلنا الى هذه “النتيجة”.
الآن، ارجو ان نكون قد خرجنا من دائرة “الانكار” وتوافقنا على تشخيص الازمة والاعتراف بخطورتها، هذه خطوة ضرورية لكي تنطلق نحو الاجابة عن سؤال “الوصفة” المطلوبة لتجاوز مرحلة “العنادة” والتيه، وانقاذ بلدنا من سيناريوهات مفزعة، وانفاق مجهولة لا أول لها ولا آخر.
عنوان الوصفة “الاستدارة نحو الاصلاح” وتفاصيلها بسيطة تتعلق بثلاثة محاور: ملفات الفساد، وملفات الاقتصاد، وملفات السياسة وتشريعاتها، وقد سبق وطرحنا مثل هذه المبادرة التي تبدأ باجراء ما يلزم من مصارحات واعتذار وتنتهي بمصالحات وطنية تمهد لمرحلة انتقالية يتوافق عليها الجميع ويشارك فيها الجميع، واعتقد ان “الفرصة” ما زالت قائمة للنقاش حولها على الاقل، دعك من امكانية تبنيها واخراجها الى دائرة التنفيذ.
بصراحة، لا يجوز ان نتعامل مع “الحقائق” التي نراها في الشارع واعادها لنا الاستطلاع الاخير “بأرقام وطرائق علمية” بمنطق الاستهانة، فقد سبق ان جربنا هذا المنطق ووصلنا الى هذه النتيجة، وأصبح من الضروري الآن ان نقول للناس “فهمناكم” وسنلتزم بتحقيق مطالبكم.. وسنباشر على الفور باطلاق مشروع الاصلاح بعيداً عن “النصائح” المغشوشة ورهانات المماطلة والتأجيل التي تضع في اعتبارها عوامل الخارج والاقليم بدل عوامل “الجبهة الداخلية” التي هي المعيار والاساس.
بعد نحو عامين من “الاستنزاف” نشعر بأن مجتمعنا قد تعب، وبأن مزاج الناس مضطرب ويصعب التنبؤ باتجاهاته، وبأننا خسرنا كثيراً من الجهد والوقت فيما لا يجدي.. وقد حان الوقت لكي نستريح ونذهب الى مرحلة جديدة نطمئن فيها على “انفسنا” وعلى بلدنا ايضاً.(الدستور)