التدويل والتطييف في سوريا مسؤولية من؟!

لا يتوقف شبيحة بشار الأسد المنبثين في طول العالم العربي وعرضه رغم ضآلة من يستمع لهم في الشارع؛ لا يتوقفون عن هجاء التدويل الذي تعاني منه الأزمة السورية، فضلا عن تصعيد الحالة الطائفية المرافقة لها، إلى جانب دخول تيارات إسلامية جهادية على الخط، بما ينطوي عليه خطاب بعضها من إشكالات.
القوم إياهم لا يحبون أن يتذكروا أبدا بدايات الثورة السورية، لكأن ما يجري قد بدأ كما هو عليه الآن أو منذ شهور عديدة، مع أن القاصي والداني يدرك أنها ثورة بدأت سلمية وكجزء لا يتجزأ من الحراك العربي المطالب بالحرية والتعددية، وهو حراك ما لبث أن تحول إلى “مؤامرة إمبريالية صهيونية” عندما وصل الساحة السورية؛ هو الذي كان قبل ذلك موضع المديح من قبل أكثرهم.
لا نريد العودة إلى الجدل التقليدي حول المقاومة والممانعة، وما إلى ذلك من مصطلحات، فنحن لسنا ممن ينكرون وجود هذا المصطلح في الساحة العربية وما مثله (كانت القوى الإسلامية من أهم عناصره) من وقوف ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية عليها بصرف النظر عن نوايا كل طرف في الانحياز إليه لأن السياسة تعتمد الأفعال أكثر من النوايا.
لكن الشعب السوري بخروجه إلى الشوارع لم يكن منحازا للمحور العربي الآخر الذي تآكل عمليا بخروج مصر من معادلة “الكنز الإستراتيجي” للدولة العبرية إلى حالة جديدة م زالت تتلمس طريقها، وإن تفنن القوم إياهم في البحث عما يؤكد انحيازها للمعسكر القديم، مع أنها ليست كذلك بحال من الأحوال.
طبعا بوسع أولئك القوم أن يتفهموا موقف نظام بشار الأسد المعترف بالقرارات الدولية التي تمنح 78 في المئة من فلسطين للعدو، والذي يرحب بأي تفاوض معه، والذي يحافظ على جبهة الجولان هادئة منذ 40 عاما، لكنهم يدبون الصوت حين يسمعون النظام المصري الجديد يتحدث عن الحفاظ على المعاهدات الدولية، وهنا يتكشف للجميع ازدواجية المعايير التي يستخدمونها، والتي تفضح دوافع وقفتهم مع النظام السوري مقابل هجومهم اليومي على الأنظمة الجديدة (تتوزع بين حزبية وأيديولوجية وطائفية).
خرج السوريون إلى الشوارع يريدون الحرية والتعددية، ولم يتحدثوا في أي شأن آخر، لكن النظام لم يلبث أن رد عليهم بالرصاص الحي، الأمر الذي تفاقم بمرور الوقت إلى أن حول الثورة المستضعفة من النضال السلمي إلى العسكري في ظل صعوبة الحسم أمام نظام أمني دموي يعتمد على طائفته وأقليات أخرى تمكنه من البقاء في وجه أي حراك شعبي.
بمرور الوقت دخلت على الخط دول ليست منحازة إلى الحرية بسبب حضور إيران في المشهد السوري، فيما دخلت قوىً كبرى أيضا؛ ليس انحيازا للشعب السوري، وإنما انحيازا للهواجس الإسرائيلية التي وجدت ما يجري فرصة لتدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود، وبالطبع بعد أن تأكدت أن النظام لن يتمكن من البقاء.
القوى الدولية التي يتحدثون عنها لا تبدي أبدا انحيازا للشعب السوري، وفيما تقف روسيا والصين بقوة مع النظام، لا تقدم الأخرى للشعب سوى الكلام، في ذات الوقت الذي تلقي بثقلها من أجل الحيلولة دون تسليحه على نحو يمكنه من حسم المعركة.
إقليميا تلقي إيران بثقلها خلف النظام وتمده بكل أسباب القوة، بينما لا تقدم تركيا والعرب غير ما يعين على الصمود وليس الحسم، ومع ذلك فإن دخول قوىً معادية للأمة على الخط لا يبدو ذنب الشعب السوري بحال، بقدر ما هو ذنب النظام المجرم الذي رد على مطالب الحرية بالقتل والتدمير. الشعب السوري ليس أقل مقاومة وممانعة من النظام، ومن الوقاحة أن يقول أحد ذلك، فضلا عن اتهامه بالمشاركة في مؤامرة دولية ضد فلسطين والأمة.
نأتي هنا لقضية “التطييف” أو الخطاب الطائفي، وهذه أيضا ليست مسؤولية الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع بهتاف “واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد”، وإذ بالنظام يجيش طائفته وبعض الأقليات ضد الغالبية المؤيدة للحرية، فيما وقفت إيران وحلفاؤها إلى جانبه على أساس طائفي مفضوح.
هل تلام الغالبية في سوريا إن هي جنحت للخطاب الطائفي في ظل هذه المعادلة البائسة؛ هي التي وقف أبناؤها إلى جانب حزب الله ومهجريه أيام حرب تموز 2006، وهي التي لم تكن طائفية أبدا؛ لا خطابا ولا ممارسة؟! وهل ستقول لشبان جاؤوا يقاتلون إلى جانبها بأن عليكم أن تخرجوا لأننا نتخوف من خطاب بعضكم السياسي أو الديني؟!
إن حملة البعض لتزييف حقيقة المشهد السوري لن تنجح بحال، وهي لم تنجح أبدا رغم أنها تقترب من عامين على إطلاقها، ودليل ذلك هو الانحياز الغالبية الساحقة من الأمة للدم السوري ولعناتهم التي تصب يوميا على رؤوس الطاغية ومن يناصرونه بالفعل أو بالقول.(الدستور)