كل هذه «الفصاحة».. كل هذا «التلعثم»!

لا يجتمع الصيف والشتاء على سطح واحد، إلاّ عند العرب وخصوصا عرب اليوم الذي استقال معظمهم من عروبته وباتوا الان مجرد بيادق وادوات في ايدي القوى الاجنبية التي تريد استتباع المنطقة العربية بعد نصف قرن من «الاستقلال» الذي بدا في لحظة ما وكأنه مجرد تغيير في لون القبّعات، إذ خرج المحتلّون الاجانب وتركوا اذنابهم في السلطة، فتحول الاستقلال الى كابوس وغدت الدولة الوطنية مجرد سجن كبير بإدارة وطنية ، بذلت كل طاقاتها من اجل افقار الشعوب واذلالها وبث روح الفرقة فيها وتجييش الغرائز الطائفية والمذهبية والعرقية، وأمعنت في الاضطهاد والعسف والنهب والفساد وانتهاكات حقوق الانسان وادارة الظهر لكل ما هو عربي ووحدوي وقومي أصيل ودائما في التبعية والارتهان للخارج، حتى جاءت لحظة يأس واحباط عارمة تمنت فيها الشعوب العربية عودة الاستعمار «الخارجي» بدل هذا الاحتلال «الوطني» الكريه، المترافق مع شعارات ويافطات وزعيق، لم يزد الشعوب إلاّ كفرا بهذه الانظمة وابتعادا عنها.
ما علينا.
ذهب الرئيس المصري الى مقر جامعة الدول العربية كي يخطب فيها وكأن خطابه «الايراني» لم يكفه، فراح يتوعد النظام السوري والاكثر غرابة انه اعتبر سوريا «ميدانا»، وفيما كان نبيل العربي يُصفّق مرتبكا في حضرة الرئيس، كان الاخير يقول لوزراء الخارجية العرب، تحت نشوة التصفيق: سوريا.. سوريا الميدان امامكم ونحن نؤيد ما تفعلون.
الشق السوري في خطاب مرسي كان مفعماً بالحماسة والفصاحة اللغوية ومفردات الحرب والتهديد والانتصار لحق الشعب السوري في الحرية وعندما وصل الى فلسطين (لاحظوا انه ساوى بين المسألتين) بدا متلعثما وأعاد في دقة كلام حسني مبارك بلا زيادة او نقصان، وكل ما أراده هو حل سياسي حقيقي وسلام عادل وغيرها من المصطلحات التي لا تقول شيئا، لكنها تلقي عن كاهله عبئاً طالما حاول عرب اليوم التحلل منه منذ ان اخترعوا لانفسهم مقولة (نقبل بما يقبل به الفلسطينيون).
وللمرء ان يدقق بين قراءة الرئيس المصري السورية وتلك الفلسطينية، ليرى بوضوح ما يراد للشعوب العربية في هذه الايام ان تصدقه او أن تسير وراءه وخصوصا إذا ما دققنا في القرارات التي توصل اليها الاجتماع الوزاري الذي انتهى للتو في الجامعة العربية حول المسألة الفلسطينية.
«.. يدعم المجلس المسعى الفلسطيني للحصول على مقعد دولة غير عضو في الامم المتحدة، لان هذه الصفة لها قيمتها حيث ان دولا كثيرة كان لديها مثل هذا الوضع مثل المانيا الشرقية والغربية».
تخيلوا كيف يريدون غسل عقولنا وتضليلنا، فهل كانت المانيا الشرقية محتلة ولم يكن فيها او في «الغربية» دولة وجيش وحكومة وكيان؟
الأخطر ان عُربان الجامعة يفسرون مسألة الدولة غير العضو الفلسطينية «نظرا لصعوبة الحصول على مقعد الدولة العضو لان هذا يتطلب موافقة مجلس الامن».. هنا ينتهي الصراخ العربي، لان اميركا رفعت اصبعها (لا يهم أي اصبع) في وجههم، أما في الشأن السوري فهم لا يكفون عن الدعوة والالحاح بأن تكون قراراته (مجلس الأمن) وفق الفصل السابع (لم يطلبوه لاسرائيل ابدا) ويقولون في هذا الشأن، ان عليه ان ينتصر للشعب السوري وهم يعلمون ان دولتين استخدمتا حق الفيتو ثلاث مرات.
ثمة ما يستدعي ايضا التساؤل عن سر الحملة المزدوجة والمتزامنة التي يشنها الرئيس المصري ورئيس الوزراء التركي، حيث لا يبديان أي اكتراث او اكتراث اقرب الى رفع العتب بالمسألة الفلسطينية، فيما يصبّان جام غضبهما على النظام السوري ويبشرنا رجب طيب اردوغان بانه قريبا سيصلي في «الجامع الاموي»، دون ان يكون قال ذات يوم انه «يتوق» مجرد توق، للصلاة في المسجد الاقصى الذي هو احد ثلاثة مساجد تُشد اليها الرحال حتى قبل ان يُبنى الجامع الاموي ويذكر فيه اسم الله جلت قدرته.
فصاحة وبلاغة واصوات عالية في ما يخص سوريا، اما التلعثم والارتباك وارضاء الاسياد والتزام المعاهدات «الحرفي» في كل ما يتعلق باسرائيل، فهل هذا مجرد صدفة؟
..لكم ان تخمّنوا. ( الرأي )