توثين الرموز أم إحياؤهم؟؟

عندما قال برنارد شو ان المسيح ليس مسيحيا فتح بابا للاخرين كي يفضوا الاشتباك بين الجذر وما ينسب اليه، وكان لوي التوسير الفرنسي صاحب كتاب «فقد رأس المال» قد توصل ايضا الى ان ماركس ليس ماركسيا، وثمة من كتبوا عن ديغول بعد افول نجمه وتولي ديغوليين رئاسة الجمهورية، بأن ديغول ليس ديغوليا وينطبق هذا بقدر كبير على ماوتسي تونغ فما ذهب اليه بعض من يطلق عليهم اسم الماويين جعل ماوتسي تونغ ليس ماويا.
ولو شئنا الاستطراد لقلنا ان بوذا ايضا لم يعد بوذيا وربما كونفوشيوس ايضا بعد خضوعه لجراحة ايدويولوجية واسعة. والقصد من ذلك كله ان هناك من هم كاثوليكيون اكثر من البابا وملكيين اكثر من الملك.
وحين يبدأ التطرف من خلال تحنيط الرموز وتقويلها بدلا من تأويلها يبدأ تبرؤ الاصول من الاشباه.
وهناك ناصريون في مصر لو سمع عبدالناصر طروحاتهم لقال على الفور بانه ليس ناصريا, احدهم قال بعد يناير 2011 ان لا حاجة لان يكون اسم مصر جمهورية مصر العربية. فجمهورية مصر تكفي، وهناك ايضا من اراد باسم الناصريين اعادة انتاج عبدالناصر بطبعة محلية لا شأن لها بالعرب او افريقيا. فهل يحدث بعد رحيل المؤسسين الذين تنسب اليهم سلالات من الافكار والاتباع ان يكون هناك ما يشبه الطلاق البائن بينونة كبرى بين النصوص ودلالاتها وبين الرمز والرموز؟
ان أخطر ما يهدد اصحاب المشاريع الكبرى والرؤى هو الغلو من الاتباع خصوصا حين يكون بينهم دببة تريد طرد الذباب عن رؤوسهم فتشجها وينجو الذباب.
ان الاختلاف اذا جاء من تلميذ نجيب ووفي مع الاستاذ هو اغناء للاستاذ واحياء له حتى بعد الرحيل، لان الزمن لا يتوقف عند اي ضريح سواء كان لبطل او فيلسوف او ثائر.
وهذا هو الفارق الحاسم بين الدوغمائية والتحجر والتوثيق وايقنة الافكار وبين البحث عن الممكنات الهاجعة فيها لاطلاقها مجددا كي تتناغم مع ايقاعات جديدة، ومتغيرات لا تلوى اعناقها كي تستجيب قسرا لافكار مسبقة.
لهذا ارى ان فيلسوفا اسلاميا كالغزالي ليس غزاليا ايضا اذاعرف ان بعض من ينتسبون اليه لم يمروا بمراحل الشك المنهجي والمنقذ من الضلال.
قدر البشرية على ما يبدو ان تقتل رموزها من حيث تظن انها تحييها او تقدسها، فهؤلاء قابلون للبقاء خارج قبورهم اذا قيض لهم تلاميذ لا يحولونهم الى اوثان بل يبحثون عن البذور التي سقطت عن الشجرة، فمن بذور شجرة تموت تنهض غابة. ( الدستور )