تاريخ لا يقبل الاستئناف!!

هذه الكتابة ليست بأثر رجعي او ضربا من الخيال السياسي، رغم ان موضوعها قد فات أوانه بالنسبة لمن غادروا المسرح السياسي خلعا او طلاقا او فرارا او اعداما، لكن الاحداث عندما تمضي تبقى ظلالها والدروس التي ترشح منها.
والسؤال الأقرب الى الخيال السياسي هو ماذا لو قدم احد هؤلاء الذين حذفوا من المشهد السياسي في بلدانهم والعالم كله من الاستجابة كي لا نقول التنازلات خلال عدة عقود وبالتقسيط المريح ما اضطروا الى تقديمه بالجملة وبتعاقب دراماتيكي خلال ايام او اسابيع؟
اعرف عن كثب ان المصريين عندما خرجوا في عيد الشرطة احتجاجا على ما آل اليه الحال في بلادهم لم يكن يخطر ببال احدهم ان هذه المظاهرة التي سبقتها مظاهرات عديدة مماثلة وعلى الوتيرة ذاتها سوف تنتهي باسقاط مبارك ونظامه.
لكن ما حدث هو تحالف بين غضب شعبي عارم وشيخوخة نظام متآكل من داخله، لهذا قد لا تكون مصر هي الامثولة؟ بل مجرد مثال، ما دامت ثنائية الغضب المتنامي وشيخوخات النظم لم يسدل عليها الستار بعد.
لقد فهم زين العابدين لكن بعد فوات الاوان وقرر مبارك التخلي عن التوريث بعد عشرة اعوام من تبشير نظامه به بعد فوات الاوان ايضا، وكان كل تنازل بلغة السلطة او استجابة بلغة المنطق السياسي يؤدي الى المزيد وهكذا تسارعت الاحداث بحيث بدلت خشبة المسرح ممثلين ومخرجين وكتاب سيناريوهات، ومن لم يتبدلوا هم المتفرجون.
ثمة من لا يقرأون التاريخ على الاطلاق لاعتقادهم بأنهم صانعوه، وانه ابتدأ بهم وستغرب شمسه معهم ايضا، مقابل من يقرأونه للتسلية او تزجية الفراغ، وثمة فئة ثالثة تقرأ التاريخ كي تصطاد من صفحاته الدسائس والدهاء لإعادة استخدامه في زمن مغاير تماما.
والقلة القليلة هي التي تقرأ ما بين سطور التاريخ، فتشم رائحة الزلزال قبل ان تحدث، لان لديها مقياس ريختر من طراز اخر،لهذا هناك زعماء لم يتعرضوا للبهدلة ويتحولوا الى فرجة امام اطفال شعوبهم والعالم.
والعكس هو ما حدث، فمن تخلى منهم عن السلطة بمحض ارادته ظفر بوداع عظيم، واحترمه العالم، نذكر للمثال فقط سنجور السنغالي ونيريري التنزاني واخيرا هافل الكاتب المثقف.
حتى عبدالناصر سارع الى التنحي بعد هزيمة حزيران فتظاهرت الملايين لاعادته ولم يكن الامر كما يشاع من صناعة المخابرات واجهزة السلطة، لان مصر برمتها قد خرجت في تلك الليلة التي عشتها حتى الفجر وهي تطالب الرئيس بالعودة عن قرار التنحي.. وكما قال جورج سانتيانا فان من لم يقرأ التاريخ سوف يكرر اخطاءه واذا كان القانون لا يرحم الجاهلين به فان التاريخ كذلك!!( الدستور )