يحدث في العراق.. الآن!

عاد العراق الى صدارة الاحداث وبات تحت الاضواء الكاشفة أكثر من أي وقت مضى بعد تفجيرات الأحد الدامية, وخصوصاً بعد الحكم على طارق الهاشمي بالاعدام شنقاً وما تلته من ردود افعال, تشي بأن ثمة مواجهة أكثر عنفاً في طريقها الى الحدوث وأن الاطراف المتصارعة, باتت ترى فيها (المواجهة) اقل كلفة «سياسياً» من حال المراوحة التي تعيشها البلاد بكل ما يصاحبها من شلل سياسي واستقطاب اقليمي, يبدو أنه في طريقه الى الحسم بهذا الشكل أو ذاك, وخصوصاً في مآلات الأزمة السورية التي أخذت هي الاخرى مساراً جديداً, بعد أن أعلنت رئيسة الدبلوماسية الاميركية هيلاري كلينتون ومن مدينة فلاديفوستك الروسية, حيث انعقد منتدى اسيا المحيط الهادئ, أن الخلافات «الحادة» مع موسكو ما تزال قائمة, في رد لاذع على ما كشفه سيرغي لافروف من أن بلاده تسعى الى استصدار قرار من مجلس الامن يعيد التأكيد على «اتفاق جنيف», الذي لم تتحمس له واشنطن ولا باريس أو لندن, وبالتأكيد كان موقف مجلس اسطنبول وباقي المعارضات السورية ومعظم العرب أكثر سلبية, بل إن كلينتون اضافت: لا قيمة لأي قرار من مجلس الامن إذا لم يكن ملزماً, وهي هنا تُلمّح الى الفصل السابع الذي يعني التلويح بالتدخل العسكري وهي الذريعة التي طوعتها واشنطن وحليفاتها في القرار 1973 عندما قاموا بغزو ليبيا واسقاط نظام القذافي, دون أن يعيروا أي اهتمام للتحذيرات أو المعارضة الروسية أو الصينية, وفي هذا المجال على وجه الخصوص تكمن معارضة موسكو وبيجين لأي التباس في أي قرار يصدر عن مجلس الامن في الازمة السورية..
عودة الى العراق..
الحكم الذي صدر بإعدام الهاشمي (الاخير وصف القرار بأنه وسام على صدره) خلط الاوراق من جديد وأعاد الامور في واقع الحال الى المربع الاول, الذي كانت فيه قبل ست سنوات ونيّف, وما اشتداد التراشق الاعلامي وحرب التصريحات والبيانات التي اندلعت بعد صدور الحكم إلاّ احدى تجليات هذه الازمة وليس سببا رئيسا فيها, لأن لائحة الاتهام ضد الهاشمي صدرت قبل فترة ومحاكمته (التي شهدت استقالة القاضي المكلف بالقضية واستبداله بآخر, فضلاً عن ان المحاكمة تمت في محكمة خاصة بدلا من محاكمته من قبل المحكمة الاتحادية) على ما جاء في بيان ائتلاف العراقية التي يرأسه اياد علاوي ويحتل الهاشمي الموقع الثاني فيه، اضافة بالطبع الى الغضب الذي استبد برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عندما رفضت قيادة اقليم كردستان تسليم الهاشمي لبغداد باعتباره «ضيفاً عليها» فيما وصفته بغداد بالهارب ثم زيارته (اقرأ لجوءه) الى انقرة واعتبار اردوغان انه (الهاشمي) ضيفا مدعوا «بلا تاريخ محدد» في بلاده، وهو ما افسح في المجال لاضفاء طابع «طائفي» على المسألة ألمح اليها الاتراك في اتهام صريح لحكومة بغداد التي يقودها المالكي.
نحن إذا امام مشهد جديد في فصول المتاهة العراقية المتمادية, التي لا تخرج من ازمة حتى تدخل في اسوأ منها واكثر كلفة وانسدادا وهو ما بدأ يطل برأسه على الازمة المستعصية وغير المرشحة - في الأمد القريب - للحل بين حكومة بغداد واقليم كردستان, على خلفية عقود التنقيب عن النفط وتصديره وعوائده، اضافة الى نسبة الاقليم من الموازنة الاتحادية، وأخيراً في الملف الجديد الذي برز مؤخراً بعد قرار نوري المالكي تشكيل «قيادة عمليات دجلة» التي تعارضها رئاسة اقليم كردستان والاحزاب الكردية الممثلة في حكومتها وبرلمانها باعتبار ذلك زيادة في تعقيد الاوضاع في المناطق «المتنازع» عليها, لأن مهمة تلك القوات ستنحصر في تلك المناطق وخاصة محافظة كركوك وكان الاحرى بالمالكي - يقول الكرد - ان يطبق المادة 140 الخاصة بالاستفتاء على مستقبل المدينة قبل اخضاعها لقيادة كهذه ستضم عند قيامها قوات الجيش والشرطة والاسايش الكردية.
«اعدام» الهاشمي لن يتم, لكنه سيبقى مادة للسجالات وخصوصا تواصل التفجيرات, اذا ما قرأنا تفجيرات الاحد الاسود (وكل ايام العراق سوداء) بانها تمت على خلفية طائفية، حيث قيل انها استهدفت مناطق ذات كثافة شيعية، زد على ذلك الملف الكردي الآخذ بالتفاقم والتضخم ودائما في الدور الذي يلعبه, أو المرشح لأن, يلعبه العراق في الازمة السورية والاحتمالات المفتوحة في المشهد الاقليمي كافة.
هل يخرج العراق من ازمته؟
من المبكر استعادة مقولة «اشتدي ازمة تنفرجي».. لأن عواصم القرار الاقليمي والدولي لم تحسم امورها بعد! ( الرأي )