احتجاجات الضفة تفضح موقف السلطة من المصالحة

إعادة تكرار اتهامات عباس لحماس بأنها تريد تعطيل المصالحة، لا يمكن ان يفهم بعيدا عن تصاعد الاحتجاجات في الضفة على غلاء المعيشة التي عززت من عوامل فشل مشروع السلطة السياسي الذي فشل في تحويل الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة والعقبات الإسرائيلية والأمريكية أمام التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة لنيل الاعتراف بهذه الدولة غير الموجودة أصلا!
ومن المعالم الجديدة لفشل مشروع السلطة استنادها إلى اتفاقية باريس الاقتصادية التي تربط الأسعار بالكيان الإسرائيلي، رغم الفرق الهائل في مستوى الدخل، فضلا عن تحويل الفلسطينيين إلى جيش من الموظفين الذين ينتظرون رواتبهم آخر الشهر، بدلا من اعتماد اقتصاد انتاجي قائم على الزراعة والصناعة والتطوير التكنولوجي.
وفي ضوء هذا الفشل المضاعف (سياسيا ومعاشيا)، فإن الرئيس الفلسطيني لا يريد أن تتم المصالحة في هذا الوقت، ولذلك فهو يرمي بالكرة في ملعب حماس التي تطالبه بإطلاق سراح المعتقلين قبل إتمام لجنة الانتخابات عملها في غزة، وهو مطلب برأينا عادل ومنصف، إذ لا مصالحة بدون إطلاق سراح المعتقلين، ولا انتخابات بدون حل هذه القضية.
إن الذي دفع عباس إلى محاولة إتمام المصالحة بعد التغيير الذي حصل في مصر كان مجاراة الأوضاع في مصر، وليس تغييرا حقيقيا في ملف لا يملك عباس وحده كلمة الفصل فيه. فالمصالحة لا يمكن أن تتم في ظل المعارضة الأمريكية والإسرائيلية لها، وإدراك عباس لذلك يدفعه إلى المراهنة على الانتخابات؛ كي يثبت أن حماس لا تريدها، بينما الحقيقة أن عباس نفسه مقتنع الآن أن إتمامها حتى مع استمرار الاعتقالات في صفوف معارضيه لن يكون في صالح حركة فتح.
لقد باتت جعبة الرئيس الفلسطيني فارغة في ظل الأوضاع الجارية التي تنذر بانتفاضة على سلطته المتهالكة، فيما يدير الأمريكيون والإسرائيليون الظهر له في عملية السلام المجمدة، ويعطلون كل تحرك شكلي له لتحقيق مكسب الاعتراف بالدولة.
وبدلا من أن يتجه عباس إلى إصلاح الوضع الداخلي، وتشكيل جبهة موحدة لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، فإنه يستمر في التعويل على التحرك السياسي دون غيره، بل يجرم ما هو أعلى من ذلك من مقاومة مسلحة، معتبرا إياها تضر بالمصلحة الفلسطينية العليا!
إن اطمئنان الإسرائيليين إلى جمود الوضع الفلسطيني، وعدم قدرة الفلسطينيين على إطلاق انتفاضة سلمية أو مسلحة ضد العدو، تدفعهم إلى المزيد من الضغط على سلطة عباس، وعدم التجاوب مع مطالبها.
ولكن أجواء الثورات العربية تقول إن الحسابات الإسرائيلية قد تكون خاطئة ولو على المدى المتوسط؛ فاندلاع انتفاضة ضد سلطة عباس و«إسرائيل» في الضفة احتمال يظل قائما، وعندها سيدرك الإسرائيليون سوء تقديراتهم.
والمطلوب في هذه الحالة تحرك قوى المقاومة لإعداد الشارع الفلسطيني لمواجهة المشروع الفلسطيني، ومنعه من الاستمرار في تجاهل مطالب الفلسطينيين، وتحقيق ما لم يتم تحقيقه بالتسوية السياسية.
ولعل أجواء التغيير الحاصلة في مصر، وما قد يقوده ذلك إلى تغييرات في المنطقة برمتها هو ما يحفز الفلسطينيين على القيام بدورهم في هذا الأساس. ( السبيل )