الإبراهيمي على الطريق الصحيح، فهل يصل «خط النهاية»؟

لا نعرف الكثير حتى الآن، عما يدور في خلد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي...وليست لدى المراقبين والمحللين من أمثالنا، ما يكفي من المعطيات والمعلومات، عن خططه اللاحقة للتعامل مع الأزمة السورية...لكننا مع ذلك نتابع عن كثب، وبكثير من الإهتمام مهمة الرجل، التي وصفها بالصعبة وشبه المستحيلة، فهي “القشة” التي يمكن لـ”الغريق السوري” أن يتشبث بها، طلباً للنجاة من أشباح التقسيم والتفتيت والقتل المجاني والحرب الأهلية المندلعة بلا قيود.
من “النزر اليسير” المُتسرب على هوامش لقاءات الموفد الدولي، ينتابنا “شعور عميق”، بأن الرجل يسير في الطريق الصحيح...وأنه يسعى جاهداً في شق مسارٍ “مستقل” لمهمته، عن المصالح والحسابات الإقليمية والدولية...وأنه ينجح حتى الآن في “مقاومة” الضغوط التي يتعرض لها من بعض العواصم العربية (بخاصة الدوحة ) والدولية (باريس على وجه التحديد).
لم ينزل الإبراهيمي، وفقاً لمصادر عديدة عند المطلب القطري بوضع “سقف زمني مسبق وخفيض للغاية” لمهمته، كما أنه لم يطرب لـ”معزوفة التنحي” التي أسمعه إياها الوزير القطري، كشرط مسبق لإنجاح مهمته...والرجل المُعتد بنفسه وتفويضه الأممي وإرثه الدبلوماسي السابق لـ”مرحلة الصعود القطري في السياسة العربية” واللاحق لها، رفض الذهاب إلى “الفور سيزنز” للقاء المسؤول القطري، وطلب إلى من يريد اللقاء به، أن يأتيه إلى مكان إقامته، وكان له ما أراد.
وفي باريس، لم تكن لقاءات ممثل الأمين العام وموفده مع المسؤولين الفرنسيين، أقل صخباً...هو أصر على “النأي بنفسه” عن خطة كوفي عنان واستراتيجية “مجموعة أصدقاء سوريا”، وأكد عزمه لقاء مختلف الأطراف المحلية والإقليمية (ومن ضمنها إيران) للبحث عن حلول ومخارج للأزمة...وهو وصل إلى سوريا واضعاً لزيارته الأولى أجندة لقاءات “طويلة عريضة” تبدأ بالرئيس الأسد ولا تنتهي بمؤسسات المجتمع المدني.
مثل هذه المنهجية المستقلة عن حسابات اللاعبين الإقليميين، والمتحررة من “ضغوط مصالحهم” و”أجنداتهم غير البريئة” حيال سوريا، تضع مهمة الإبراهيمي في الطريق الصحيح، مع أنها لا تعني أبداً أن حظوظ الرجل في إصابة النجاح قد ارتفعت، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ من المتوقع تماماً أن يواجه المزيد من التحديات والعراقيل من قبل من ظنوا أنهم بالمال وحده، يمكنهم شراء العالم وتوظيفه خدمة لمصالحهم الضيقة، و”أحلامهم الكبيرة” التي لم تأت يوماً “على مقاس حجومهم “.
سيجد الإبراهيمي دعماً قوياً للهدف الأول لمهمته: وقف العنف ومنع إراقة المزيد من الدماء...لكن ذلك لن يحدث إلا في سياق “تسوية سياسية شاملة”..وهي التسوية التي أخفق مختلف الوسطاء والمبادرات في الوصول إليها وجعلها ممكنة...أما عقدة هذه التسوية ومفصلها الرئيس فيتمثل في المصير الشخصي للرئيس السوري بشار الأسد، وليس مصير النظام برمته.
ثمة قناعات بدأت تتسرب إلى مراكز صنع الدولي (واشنطن بالذات)، خصوصا بعد “انتفاضات الفيلم المسيء” في دول “الربيع العربي”، بأن حفظ النظام، ومنع وقوع سوريا في قبضة الإسلام المتطرف (القاعدة) أو حتى الإسلام الإخواني (ذي الخطاب المزدوج بحسب واشنطن)، ربما يخدم مصالح واشنطن أكثر من أي سيناريو آخر، على أن السياسة الأمريكية، ومن قبيل “حفظ ماء الوجه”، لن تقبل ببقاء الأسد على رأس نظامه...لقد باتت أكثر استعداداً للقبول بـ”الأسدية من دون الأسد”.
هذا السيناريو يحقق لواشنطن مصالحها في سوريا، وهي كما تحددها الدوائر الأمريكية: أمن إسرائيل... منع انتقال العدوى السورية إلى دول الجوار (الأردن، لبنان، العراق وتركيا)...منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو سقوطها في أيدي “الإرهابيين”...إضعاف إيران في سوريا واستتباعاً في لبنان (حزب الله).
وربما يلتقي هذا التوجه الأمريكي مع جوهر المبادرة المصرية “الرباعية الإقليمية”، حيث تكاد تنحصر الخلافات بين أطراف الرباعية حول المستقبل الشخصي للرئيس السوري، يبقى أم يتنحى أو يُنحى...وسيأتي وقت على النظام السوري، يدرك فيه أن خيار “الأسدية من دون الأسد”و، ربما يكون السيناريو الذي يكفل بقاء النظام ومنظومة المصالح والفئات التي يمثلها.
مثل هذه التطورات، مضافاً إليها توق الشعب السوري، موالاة ومعارضة، للخروج من أتون الحرب الأهلية التي تعتصره، سوف يشكل عنصر دعم “موضوعياً” لمهمة الإبراهيمي...الذي أحسب أنه ليس بعيداً عن هذه التصورات والتطورات، ولكنه يرى أن “التنحي” ليس “مبتدأ” مبادرته التي يُعد لها، وإن كان من المرجح أن يكون “خبرها”..وربما هنا يكمن سر الخلاف بين الرجل وبعض عواصم العرب والعالم، التي تستعجل “التغيير” بأي ثمن، حتى وإن تطلب الأمر التضحية بآخر سوري.
الأسد سيغادر السلطة...بعد ثلاثين ألف قتيل، لا بد من “تغيير ما” في النظام...تغيير قد لا يشترط الإطاحة بالنظام...تغيير على الطريقة اليمنية “مُعدلةً”....مثل هذه القناعة باتت تسيطر على حلفاء سوريا قبل خصومها...لكن الخلاف الدائر الآن، يتصل بالكيفية والتوقيت والسياق..وهو خلاف سيستوجب حله، المزيد من الجهود والمبادرات والصراعات، والمزيد – للأسف – من الدماء السورية المهدورة...وعلى الأخضر الإبراهيمي أن يجترح “الحلول السحرية” لجعل فاتورة الدم السوري، أقل كلفة...فهل ينجح؟(الدستور)