فيلم الاساءة .. اختبار سياسي لهواجس الكراهية

تم نشره السبت 15 أيلول / سبتمبر 2012 01:05 صباحاً
فيلم الاساءة .. اختبار سياسي لهواجس الكراهية
* حسين الرواشدة

لا يمكن لأحد أن يقبل الاساءة الى نبي، أي نبي، فلهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام “رمزية” مقدسة لدى اتباعهم، وبالتالي يمكن ان نفهم هذا الغضب “المتفجر” الذي عبر عنه الكثير من المسلمين في شتى انحاء العالم.

لكن المسألة لا يمكن اختزالها في الاطار الديني فقط، فالعلاقة بين الاسلام كدين والمسلمين كأمة وبين الغرب وما يمثله سياسياً وثقافياً علاقة متوترة ومسكونة بهواجس الخوف والكراهية، وفي سياق التحولات التي طرأت على عالمنا العربي كانت ثمة فرصة لاختيار هذه العلاقة، وكأن “الفيلم” ومن يقف وراءه اداة لهذا الاختيار, صحيح ان الثورات العربية خرجت من اجندات محلية.. لاسقاط أنظمة لم تعد صالحة للحكم، لكن الصحيح ايضا ان “الاجنبي” بما يمثله من “خزان” لدعم هذه الانظمة ظل حاضراً في ذاكرة كل هذه الثورات، ومع ان مواجهته لم تكن أولوية لهذه الثورات الشعبية لكن “الفيلم” ايقظ في لحظة شعور “بالكرامة” لدى المسلمين أحساساً بامكانية “الرد”.. وهذا ما حدث في ليبيا ومصر واليمن.

لا جدوى -بالطبع- من مناقشة مثل هذه الردود الغاضبة، دينياً او اخلاقياً، فالاساءة التي حملها “الفيلم” لم تكن (كما فهمها الكثيرون من الغاضبين) معزولة عن سياقات سياسية وتراكمات داخلية محملة “بتراث” من الغزو والاستعمار والقهر والتدخل والسيطرة التي مارسها “الاجنبي” ضد الأمة، وبالتالي فان الغضب كان موجهاً بالأصل ضد هذه الممارسات قبل ان يكون موجها ضد “مجهولين” انتجوا الفيلم ومثلوه، وكان ايضاً فرصة لايصال رسالة جديدة للغرب مفادها ان “الشرق” الاسلامي تغير.. وان ما كان مقبولاً قبل عصر الثورات وقبل وصول الاسلاميين الى الحكم لم يعد كذلك، ترى هل أراد الغرب ان “يجس” نبض العالم الاسلامي، لكي يعيد رسم “خرائطه” من جديد أم انها مجرد “لحظة” عبث اخرى تضاف الى سلسلة من “الاساءات” التي تواطأ عليها أهل السياسة والدين هناك؟ لا ادري، ولكن يبدو ان الرسالة وصلت سريعا الى الغرب، فقد قال اوباما في اول تصريحاته على احداث السفارة في القاهرة بأن مصر ليست عدوا ولا حليفا، فيما تحركت بارجتان الى اليمن وليبيا لحماية الدبلوماسيين الامريكيين، وبهذا سقطت “فكرة” الربيع العربي “كصناعة عربية” او امريكية، وتحولت اولوية.

ومع ذلك، لا بد للطرفين ان يبحثا عن اجابة لمستقبل العلاقات بينهما، وان لا يتركا “للمتطرفين” من الجانبين ان يصمموها وفق أجنداتهم، وهذا يتوقف على “الغرب” في الدرجة الاولى اذ ان اصراره على ابقاء “الاسلام” كموضوع للتشويه والاساءة وادامة الصراع، بدل ان يكون موضوعاً للدراسة والفهم والحوار، سيضع المسلمين امام “ردود” غير محسوبة وغير عقلانية احياناً، وسيدفعهم الى “الثأر” بطريقتهم مما يطيل ازمة الصراع بين الطرفين ويغذي عوامل الكراهية بينهما.

في العالم الاسلامي، ثمة اصوات “عاقلة” تريد ان تظل ادارة الصراع مع الغرب في اطارها السياسي المألوف وان لا يتحول هذا الصراع الى جبهات اخرى “مفزعة” وربما ثمة من يفكر بذلك على الطرف الآخر، لكن في غياب الثقة بين الطرفين يبدو ان صوت “الجنون”، وضجيج الاساءات، واجندات “النفوذ” وثقافات الهيمنة ستأخذنا الى حروب جديدة مدمرة.. وستدفع الانسانية كلها ثمنها، وهذا اخطر ما في الرسالة التي وصلتنا عبر “فيلم الاساءة”.. وأخطر ما في الردود التي شاهدنا في بعض عواصمنا الاسلامية.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات