ماذا عن كرامة المسلمين؟

لا هي أول إهانة ولا هي آخرها. فمنذ بعث النبي عليه الصلاة والسلام والمنكرون والكارهون لم يكفوا عن محاولة النيل منه بشتى السبل، وقد أثبت القرآن بعضا من صور الاتهام والتجريح التي وجهت له. وما تضمنه الشريط الذي لم يتح لنا أن نطلع على أكثر من 11 دقيقة منه ليس سوى نقطة في بحر، إذا ما قورن بكم السهام القذرة والمسمومة التي ما برحت توجه إلى نبي الإسلام طوال الأربعة عشر قرنا الماضية، وما وقفنا عليه هو مجرد اجترار لذلك الذي قيل واستلهام لأفكاره ومزاعمه. لذلك لا أرى فيه جديدا، بل أزعم أنه ما كان ينبغي أن يحدث كل تلك الثورة العارمة التي نشهدها في بعض الأقطار، ومصر في المقدمة منها. وربما كان جديدا أن الشريط أصبح محل استنكار وازدراء من جانب كل الجهات المعنية والمسئولة، ليس فقط في الكنائس المعتبرة، ولكن في الولايات المتحدة ذاتها التي أصبحت هدفا للاحتجاج وسهام الغضب، الأمر الذي أدى إلى اقتحام بعض السفارات الأمريكية ومقتل السفير الأمريكي في بنغازي.
أفهم أنه ما كان ينبغي لنا أن نصمت، وأن من حقنا أن نغضب، ولكن السؤال هو كيف يكون الغضب، ولمن توجه رسالته، ذلك أننا لا ينبغي في التعبير عن غضبنا أن ننساق وراء المتشنجين والمحرضين والمتعصبين والمهووسين، بقدر ما أننا ينبغي أن نقاوم بما نملك من قوة نداءات دعاة الكراهية الذين لا يهدأ لهم بال، إلا إذا شاع التوتر بين أصحاب الديانات، وعمت الحرائق فضاء الأمة، وللعلم فإن الذين أعدوا ذلك الشريط هم من عينة أولئك، المتعصبين والمهووسين والداعين إلى إشاعة الكراهية وإشعال الحرائق.
من المفارقات التي تثير الانتباه في هذا الصدد أن تجربة الثورة المصرية أثبتت أن المظاهرات السلمية نجحت في إسقاط نظام مبارك بكل جبروته وصلفه، وكنا نظن أن نجاح التجربة سيكون حافزا لتشجيعنا على الاقتناع بجدوى أساليب التغيير السلمي. لكننا اكتشفنا أن المظاهرة السلمية التي أسقطت مبارك تحولت إلى تعبير مختلف في التعامل مع السفارة الأمريكية في القاهرة. إذ لجأ البعض إلى محاولة اقتحام السفارة وتسلق أسوارها وإنزال علمها. ووجدنا أن بعض المهووسين استبدلوه بعلم حزب التحرير الذي لا نرى له أثر في مصر إلا من خلال الأعلام السوداء التي يرفعها نفر من المنسوبين اليه. ووجدنا أن الأمر ذهب إلى أبعد في بنغازي التي قتل فيها السفير الأمريكي بسبب المظاهرات التي خرجت هناك لذات السبب. وقد سمعت من بعض المسئولين الليبيين رواية أخرى لما حدث خلاصتها أن المتظاهرين لم يلجأوا إلى الاشتباك المسلح الذي انتهى بقتل السفير، ولكنهم حين تجمعوا أمام السفارة فإن حراسها من «المارينز» أطلقوا النار في الفضاء لإرهابهم وإبعادهم. فما كان من الليبيين، وكلهم مسلحون، إلا أن تعاملوا معهم بالمثل. إذ ظنوا إنهم مستهدفون فأطلقوا نيرانهم على القنصلية وألقوا متفجرات على المبنى أدت إلى اختناق السفير وموته.
أزعم أن المظاهرات التي خرجت في أكثر من عاصمة عربية لو أنها اعتصمت أمام السفارات الأمريكية لبعض الوقت، باعتبار أن الولايات المتحدة هي دولة الجناة، وقدمت مذكرة احتجاج إلى المسئولين الأمريكيين ثم انصرفت بعد ذلك في هدوء، لكان ذلك كافيا في إعلان الغضب، ولأوصلت الرسالة بأسلوب فعال ومحتشم ومتحضر، ولأن ذلك لم يحدث فإن وسائل الإعلام ركزت على رد الفعل الأهوج من جانب بعض المسلمين، بأكثر ما ركزت على الاهانة التي وجهت إلى نبي الإسلام.
لقد نأت الإدارة الأمريكية بنفسها عن الموضوع، وأعلنت على لسان البيت الأبيض والسفيرة الأمريكية في القاهرة عن إدانتها لإطلاق الفيلم الذي أغضب المسلمين، ومع ذلك فإن الغاضبين تصرفوا وكأن الدولة الأمريكية مسئولة عما جرى، وكأن ذلك خطأ وقع فيه المهووسون، خصوصا الذين يتحكمون في بعض الأبواق والمنابر الإعلامية.
أدري أن كلنا معبأ ضد السياسة الأمريكية بسبب انحيازها إلى جانب إسرائيل ضد العرب، إلا أنها في المشهد الذي نحن بصدده كانت أقرب إلى موقفنا الذي رفض التصرف وأدانه. ولو تعاملنا معها كشاهد ووسيط وليس كمتهم لكان ذلك أنفع وأحكم.
إننا قد لا نعرف الكثير عن تفصيلات الشريط، إلا اننا ندرك ثلاثة أمور. الأول أنه يتضمن ازدراء بالإسلام ونبيه ويحض على كراهية المسلمين. والثاني أن مضمونه لا يدخل في حرية التعبير كما قال بحق رئيس الوزراء التركي الطيب اردوغان، لأن حرية التعبير لا تسمح بإهانة الاديان. الأمر الثالث أن لجوء بعض المسلمين إلى العنف في التعبير عن غضبهم يجعلهم يخسرون قضيتهم رغم أنهم المجني عليهم فيها.
إنني أرجو أن يتصدى العقلاء للدفاع عن كرامة نبي الإسلام، وألا يترك زمام الأمر للمتشنجين والمهووسين وحدهم حتى لا يكونوا سببا في خسران القضية، كما أرجو أن يحتل الدفاع عن كرامة المسلمين ذات القدر من الاهتمام والغيرة التي شهدناها فيما خص نبيهم، علما بأن الإساءة إلى نبي الاسلام من جانب المتعصبين لم ولن تنال منه في شيء. أما إهانة المسلمين التي نراها بأعيننا كل يوم فهي المشكلة الكبرى التي لا يكترث بها أمثال أولئك المتشنجين والمهووسين وأضرابهم من المحرضين الذين يدعون الغيرة المجانية. ( السبيل )