اعتصامات ضد الوطن

بلغ عجز الموازنة العامة خلال الشهور السبعة الأولى من هذه السنة 640 مليون دينار ، وبلغ عجز الوحدات الحكومية المستقلة وخاصة شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه 880 مليون دينار ، وارتفع حجم الدين العام بمقدار 1860 مليون دينار ، وتبحث الحكومة في إصدار ملحق موازنة لدفع نفقات طارئة زيادة على مخصصات الموازنة بمبلغ 500 مليون دينار ، وتسعى الحكومة لاقتراض 5ر1 مليار دولار من السوق العالمي بموجب سندات سيادية باليورو ، ويجمد المانحون معوناتهم المنتظرة التي لم يصل منها خلال سبعة شهور سوى 25 مليون دينار من أصل 875 مليون دينار مقدرة في الموازنة ، وما زال الاتجاه للمزيد من هذه المؤشرات المالية المثيرة للقلق.
تجاه هذ الظروف وفي خطوة رمزية تبرع الوزراء وكبار الضباط بنسبة مئوية من رواتبهم للخزينة وهي خطـوة قد لا تحدث تغييراً جوهرياً في الاوضاع المالية الصعبة ، ولكنها تدل على حراجة الوضع والحاجة للشعور مع الوطن في هذه الأوقات الصعبة.
في هذا الوقت بالذات يعتصم موظفون حكوميون للحصول على مزايا مالية إضافية تكلف الخزينة ملايين الدنانير ، ويسمع عمال الميناء عن انخفاض حجم الصادرات الأردنية فيقررون مساعدة اقتصاد بلدهم ليس بالعمل ساعات إضافية بل بالإضراب والاعتصام وتعطيل عمل الميناء مما يعطل حركة الصادرات الوطنية ويؤخر تفريغ حمولة السفن الواردة ويرتب علينا غرامات عالية جدأً ويسيء لسمعة ميناء العقبة.
ماذا دهانا لكي نتسابق لطعن وطننا في صدره والاستفادة من حالة ضعفه لامتصاص المزيد من دمه. أين الشعور الوطني والانتماء ، وعلى الأقل أين الالتزام بالقانون الذي ينظم الإضرابات والاعتصامات ويحدد الحقوق والواحبات.
يقال أن الأردن والمنطقة العربية بأسرها تتعرض لمؤامرة خبيثة ، هي الفوضى الخلاقة ، وقد يكون هذا صحيحأً ، ولكن المتآمر الأكبر على بلدنا هو نحن ، فما نفعله بأنفسنا أسوأ مما كان أعداؤنا يتمنونه لنا. نحن لسنا ضحايا مؤامرة خارجية بقدر ما نحن ضحايا سوء سلوك محلي.
لو نطق الأردن لقال: يا ربي ساعدني على أعدائي من أبنائي ، أما أعدائي الخارجيين فأنا كفيل بهم ، فقد اتقنتُ فن الصمود في وجه المؤامرات الخارجية ، ولكن جراحي تنزف من طعنات أبنائي.
( الراي )