حصاد عقدين أعجفين!!

لا أرتدي قبعة أو عمامة أو حتى طربوشاً كي أرفعها لمن سجلوا خلال عامين أعلى منسوب لمراوغة الثعالب وذكاء الفئران ورشاقة الحرباء، وهم يقفزون من نظام الى آخر ومن موقف الى موقف مضاء، سواء كانوا اعلاميين أو مثقفين أو مشتغلين في السياسة.
هؤلاء لا ينطبق عليهم القول: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام، لأنهم ليسوا خياراً أو حتى فقوساً وكوسا، بل هم من افراز عدة قرون سادت خلالها ثقافة النفاق والممالأة واستبدال لون الجلد وارتداء الأقنعة..
اعرف ان التاريخ يعج كما تعج المقابر أيضا بمفكرين ومثقفين بدلوا مواقفهم لكن بشكل تطوري ومنطقي بحيث تقسم اعمالهم الى مرحلتين هما مرحلة الشباب ومرحلة النضج كما هو الحال لدى ماركس وهيجل ولوكاتش وآخرين، لكن تغيير المواقف خلال اربع وعشرين ساعة والاستدارة من اليسار الى اليمين أو العكس مئة وثمانية درجة، فتلك مهنة لا يتقنها الانسان السوي الذي تحكمة كوابح، وينعم بقدر من الخجل الآدمي واحترام الذات.
اعرف نماذج من هؤلاء قادوا حملات انتخابية مزورة لرؤساء مخلوعين ويتطوعون الآن بعرض خدماتهم على رؤساء قادمين، واعرف من كانوا يزهون بصورة معلقة على الجدار أو في الصالون مع رئيس أوعلى بعد بضعة أمتار منه ثم احرقها حتى تحولت الى رماد وبقي المسمار على الجدار بانتظار صورة جديدة!
كيف سنربي جيلاً شهد آباءه وهم يصفقون للزعيم وهو يشنق الناس ثم يصفقون عندما يرونه متدلياً من حبل؟
هؤلاء ليسوا خياراً في الجاهلية أو الاموية او العباسية كما انهم ليسوا خياراً في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لأنهم لا يرون ابعد من انوفهم ويقودهم لعابهم الى حيث تؤكل الاكتاف أو تلعق الأقدام لا فرق.
لهذا أرجو من اساتذة علم النفس والاجتماع في الوطن العربي ان يرصدوا منسوب الجرائم والانتهاكات والفساد الاخلاقي اضافة الى سلالة الفساد كلها خلال العقدين الفائتين، فقد تكون اضعاف ما سبقها، لأن هذين العقدين وبالتحديد منذ الحرب على العراق، جعلا كل شيء مباحاً ومتاحاً وأعطبا البوصلات كلها، فأصبح الابن يشكك في اخلاق أبيه لأنه ضبطه متلبساً بكثير من تناقض، أما النساء فقد اكتشفن ان الذكر العربي وليس الامبراطور كما في حكاية اندرسون عار تماماً، وان أبا زيد ذا الشارب المعقوف هو دجاجة من النوع اللاحم لا البياض عندما تأزف لحظة الامتحان، ولهذا ايضاً نرجو من هؤلاء الاكاديميين ان يرصدوا منسوب الجرائم الاخلاقية والاغتصابات والتحلل خلال هذين العقدين الأعجفين.
فما ان يرتطم كوز بجرة، خصوصاً اذا كانت جرة الدولة حتى تنسب الجرائم والفوضى ونهب البنوك والمتاحف الى طرف ثالث خفي، ومن ضحايا هذين العقدين الثقافة العربية التي أقصيت تماماً عن المشهد، وحلت الدمى المطاطية مكان الاصول وارتدى الاستشراق قناعاً جديداً بحيث أصبحت الدمى تعرض بضاعتها كالباعة المتجولين في عواصم اوروبا وامريكا.
وللمثال فقط ودّع العرب آخر مجلاتهم الثقافية قبل اعوام قليلة، لتحل الشقيقات الانيقات العشر مكانها وهذه الشقيقات مجلات صقلية ومزخرفة ولا تصلح حتى لتسلية زبائن الحلاقين والكوافير. انتظروا قليلاً كي تحصدوا ما زُرع في رمالكم وما حَبِلَتْ به هذه الآونة من مُسوخ!! ( الدستور )