تأملات في الأزمة السورية .. وما حولها

هل تذكرون “اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسوريا”؟...لقد شارفت على إتمام عامها الأول، برئاسة “حصرية”.. دعمها محور أراد لها أن تكون “هيئة أركان” ناشطة في معركة تسوية الحسابات مع سوريا و”المحور” بأسره.
مع “عودة الروح” للدور المصري، غابت هذه اللجنة عن “الوعي” وباتت نسياً منسيا، تجتمع على فترات متباعدة، من باب “رفع العتب” لا أكثر، ومن دون أن تجذب أي اهتمام رسمي أو شعبي بمداولاتها وقراراتها...رباعية الدكتور مرسي الإقليمية، حلت محلها، حتى وإن كانت حظوظها في اجتراح الحلول و”المعجزات” قليلة...الأطراف الرئيسية، اللاعبون الكبار عادوا لإشغال حيزهم...انتهت مرحلة “ملء الفراغ” والمأمول أن يفضي الحراك المصري المُثقل بقيود مصر الداخلية الثقيلة، إلى تحرير الجامعة العربية من “مُختطفيها” بعد أن حرر الأزمة السورية من قيود “اللجنة الوزارية” وحساباتها .ولقد لاحت في في أفق العلاقة بين “اللجنة” و”الموفد الأممي”، ملامح هذا التغيير، ونأمل أن يمتد هذا الاتجاه على استقامته، فتتحرر الجامعة العربية من الإرث الثقيل لأمينيها العامين الأخيرين اللذين جعلا منها، ملحقاً ، يدور في فلك سياسات بعض الدول ، بدل أن تخلص لدورها وميثاقها، كمظلة ورافعة للعمل العربي المشترك.
أن يقول الرئيس المصري بضرورة تنحي الأسد، فهذا أمر مفهوم ومقبول، حتى وإن اختلفت بشأنه الآراء وآثار ما أثار من ردات فعل متباينة...فالرئيس المنتخب يكتسب شرعية “صناديق الاقتراع” التي جاءت به إلى سدة الحكم...وهو سليل ثورة يناير المجيدة، التي أطاحت بنظام الفساد والاستبداد المباركي...واضعة حداً نهائياً لثالوث “التجديد والتمديد والتوريث” غير المقدس.
على أية حال، الصورة الآن تغيرت، أو هي في طريقها للتغيير.الانظار تتجه الآن إلى دمشق والقاهرة...الأولى حيث نشهد “صحوة” المعارضات السورية وبداية خروجها من شرنقة الابتزاز والحجر، إلى فضاء المبادرات السياسية الخلاقة المصحوبة بإرهاصات عودة الروح للحراكات الشعبية السلمية، بعد أن انكفأت للوراء، مُخليةً ساحاتها لخنادق المسلحين و أزيز الرصاص ودوي المدافع....والثانية، حيث تلتئم “اللجنة الإقليمية” الرباعية على المستوى الوزاري لأول مرة، في ظل مناخات إقليمية ودولية جديدة، تسمح بقليل من التفاؤل في فرص الحل السياسي للأزمة السورية، بعد أن بدا أن هذا الحل قد بات مستحيلاً.
وفي هذا السياق، أحسب أن أحداث “بنغازي” وما تلاها وترتب عليها من تحولات في “المزاج الدولي” العام، قد يسهم في افتضاح بعض الأدوار، وقد يسرع في تغيير الظروف المحيطة بمهمة الإبراهيمي، وبصورة تتيح لأول مرة منذ تفاقم هذه الأزمة، فرصة الحديث عن حلول سياسية، قد تتبلور في غضون الأشهر القليلة القادمة.
ونأمل أن يدرك النظام السوري، أن المغزى والمعنى الحقيقين لهذه الفسحة من الأمل...فلا يظنن أنه انتصر على شعبه، أو أنه قادر على المضي في خياراته القمعية الدامية...وأن تقتنع المعارضة، أن “حلم” الحسم العسكري والتدخل الدولي قد تبدد وأن اجتاز الهاوية السورية لن يتم بقفزة واحدة...لا حسم عسكرياً للصراع في سوريا وعليها، وإن حصل ذلك بكلفة عالية لن تظل سوريا بعد دفعها كما كانت عليه، و”زمن الحسم” من قبل ومن بعد، يحسب بالسنوات وليس بالأيام والأسابيع والأشهر كما كان يُظنُ في بداية الأزمة.
على النظام أن يُسدد من بنيته ورموزه بعضاً من الأثمان الباهظة التي تكفل الشعب السوري بدفعها...وعلى المعارضة أن تصغي لنداءات الحلول السياسية والانتقالية...وإذا كان تنحي الأسد كمدخل للحل و”شرط مسبق” له قد بات عصياً على التحقيق، فليس من ضير في أن يكون هذا التنحي “نتيجة” للحل وتتويجاً لمسارات عملية الانتقال.
أذكر في حوارات سابقة مع معارضين سوريين أننا اقترحنا عليهم القبول بمرحلة انتقالية لمدة سنة، تنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف وضمانات دولية كافية، لا يترشح فيها الأسد لولاية ثانية، تقودها حكومة وحدة وطنية انتقالية، وتسبقها وترافقها “إجراءات بناء ثقة”، يومها قيل، وقد كان ذلك قبل عام تقربياً: وهل تريد لنا أن ننظر عاماً آخر؟...هل سيتعين على السوريين خسارة خمسة آلاف قتيل آخر؟...ها هو العام قد مضى، والسوريون خسروا ثلاثين ألف شهيداً، والأسد ما زال في السلطة، والمعارضة ما زالت على خصوماتها وحروبها الداخلية، فيما الأصولية “الجهادية” تغزو سوريا، وتختطف ثورتها، وتذهب بها في كل اتجاه، مع عدا وجهتها الأصلية: الحرية والديمقراطية والكرامة...وفيما سوريا الشعب والدولة والكيان الجامع، يتهددها الانقسام، وتتحول إلى “صندوق بريد” لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية الدامية.
( الدستور )