ارفعوا أيديكم عن.. سوريا!

في ما يشبه الاحتفال بالنصر, بل بدا الامر كذلك, سارعت فضائيات ومواقع الكترونية وصحافة ورقية لنقل الخبر المثير الذي كشف عنه قائد الحرس الثوري الايراني (الباسدران) الجنرال محمد علي الجعفري, عن وجود عناصر من فيلق القدس (التابع للحرس الثوري) في سوريا وايران..
ردود الفعل الصاخبة وخصوصاً العربية منها التي تواصلت بعد اعلان المسؤول الايراني, تفوح منها رائحة النفاق وفي الوقت ازدراء لعقول الجمهور العربي, ومحاولة مكشوفة للتضليل والخداع والتستر على انخراط قوى دولية واخرى اقليمية, وعلى رأسها دول عربية معروفة في الشأن السوري ولا هدف لها سوى تسعير الصراع وانهاك السوريين كافة, وصولاً الى تدمير الدولة السورية وتحويلها الى دولة فاشلة أو أقرب الى ذلك..
لا جديد في ما يقوله اشخاص انتحلوا صفة المحللين السياسيين أو أن البترودولار خلع عليهم تلك الالقاب وأجلسهم تحت الاضواء في شأن «المطامع» الايرانية ورغبة طهران في توسيع نفوذها ومجالها الحيوي, بل وحتى سعيها لبناء محاور سياسية وأخرى عسكرية وثالثة اقتصادية, كي تحفظ لنفسها دوراً مقرراً في جدول أعمال المنطقة وربما في منافسة قوى كبرى على الاقليم.. لكن الجديد هو صمت هؤلاء عن كل التدخلات والمشروعات «الاستراتيجية» التي يجري تنفيذها أوتمريرها أو الترويج لها من قِبل قوى أخرى لا تقِل طمعاً الى الهيمنة والتوسع عن طهران..
هذا الصمت الذي هو في واقع الحال اقرب الى التواطؤ بل التواطؤ بعينه, يراد منه اشغال العرب بقضية جرى اختراعها وتعميمها ووضعها على رأس اولويات بعض الانظمة العربية, وهي تحويل الصراع الدولي والاقليمي في المنطقة وعليها, الى صراع مذهبي بين السنُّة والشيعة, والدفع الى الخلف بالعنوان الرئيسي وهو الاستعمار الصهيوني لفلسطين وتشريد شعبها وعربدة آلتها العسكرية, والهيمنة الغربية وشرور العولمة ودائماً في التدخل الغربي وخصوصاً الاميركي في الشؤون الداخلية للبلاد العربية وصولاً الى التدخل العسكري المباشر لاسقاط الانظمة كما حدث في ليبيا ويحدث الان في سوريا.
هل قلنا سوريا؟
نعم.. اذ ثمة حق لأي كان, أن يرى في ايران شراً مستطيراً وان يتهمها بما يريد من اتهامات واعتبارها عدوا إن شاء، لكن ليس ثمة حق له في ان يفرض علينا رأيه وان يطمس على ما تراه أعيننا من تدخلات غير ايرانية في الشأن السوري كـ (اصدقاء) الشعب السوري الذين يزودون المتمردين بالاسلحة والذخائر والخرائط وأجهزة الاتصالات وما تأتي به جواسيسهم ومحطات تنصتهم من معلومات عن تحركات الجيش السوري ومواقعه، كذلك في تسهيل الدخول الى الاراضي السورية بدعم من تركيا تحت هيئة صحافيين، او جوازات سفر سورية (مزورة) كي يَعْبُر التكفيريون والجهاديون والمخربون العرب (والاجانب) الى سوريا, زد على ذلك شحنات الاسلحة الضخمة التي ترسل بالبواخر والسفن والطائرات منها ما تم ايقافه في لبنان ومنها من اضفت عليه انقرة صفة الشرعية وادخلته عبر الحدود المشتركة «هدية» من ثوار الناتو في ليبيا الى ثوار رياض الاسعد ورياض الشقفة.
ثمة في ما اعلنه المسؤول الايراني, والذي لا نحسب ان ما كشفه كان زلة لسان، بل هو كلام مقصود ارادت طهران من خلاله رفع منسوب التهديد بالتدخل العسكري الذي واصلت التلويح به بعد ان بدأت معلومات متواترة عن تصعيد متوقع في تكتيك المتمردين بعد حصولهم على اسلحة متقدمة قد تُسهم في تحسين شروط تفاوضهم بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بهم ميدانيا وبشريا خصوصا في حلب وريفها وريف دمشق وحمص.
نقول: ثمة في ما قاله المسؤول الايراني فرصة كبيرة نحسب ان اغتنامها سيكون دليل حكمة وبُعد نظر, إذا ما أحسن العرب وخصوصا اؤلئك الذين اختطفوا الجامعة العربية منذ اندلاع ما وصف بالربيع العربي، التعاطي معها، وهي تبني شعار «ارفعوا ايديكم عن سوريا»، والانخراط الفوري في عمل جاد وحقيقي ومباشر لاجبار السوريين كافة على الجلوس الى طاولة الحوار غير المشروط واعلان دعمهم وتبنّيهم لاي قرارات يتوصلون اليها دون اكراه، اما غير ذلك فالجميع ذاهب الى المجهول وخصوصا الشعب السوري الذي يدفع ثمن كل التواطؤات والمؤامرات التي تحاك في عواصم واجهزة معروفة, ولا داعي إذا لأن نلوم ايران (أو بغداد) (على ما يحاول طارق الهاشمي الدفاع البائس عن نفسه تجاه بغداد, فيزجّ بالملف السوري فيه, كي ينضم الى جوقة الداعين الى مذهبة وتطييف الازمة السورية) لأن الجميع متورطون بهذا الشكل او ذاك, والحريق السوري سيطال الجميع اذا ما تقاعسوا الان عن إطفائه. ( الرأي )