المأزق التركي.. المتفاقم!

فيما تتزايد المؤشرات على إمكانية حدوث تحولات في المواقف التي تتخذها عواصم دولية واقليمية مؤثرة في الازمة السورية, بعد أن فشلت كل الرهانات والضغوط التي مارستها تلك الاطراف, عبر قنوات ومقاربات واساليب عديدة, بدءاً بحرب التضليل الاعلامي الاكثر شراسة في العقدين الاخيرين وليس انتهاء بتوريد السلاح وتسهيل عبور المخربين, مروراً بكل الوسائل الدبلوماسية عبر مجلس الامن والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والاتحاد الاوروبي ومؤتمرات اصدقاء سوريا, في إحداث توازن «رعب» أو تمكين المعارضات السورية من ايجاد موطئ قدم «ثابت» على الاراضي السورية, يؤسس لمناطق محررة وقيام حكومة مؤقتة أو انتقالية, تفتح الطريق على حظر جوي او ايجاد مناطق عازلة..
وإذ يراهن كثيرون على اليوم التالي للسادس من تشرين الثاني الوشيك, عندما يُعرف من هو ساكن الابيض وما اذا كان اوباما سيبقى لولاية ثانية, أم أن الجمهوري المورموني المتطرف ميت رومني سيجلس على المكتب البيضاوي, فإن ثمة قراءة اخرى ترى أن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن ذلك التاريخ لا تسمح بترف الانتظار, لأن التطورات الميدانية المتلاحقة هي التي ستحدد الخطوة التالية دولياً واقليمياً, وربما تنضج قبل الاستحقاق الاميركي الاهم, ما قد يجعل من نتيجة المنافسة بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي غير ذات تأثير مباشر على المشهد السوري, وبخاصة أن تداعيات الفيلم المسيء والغضب الدفين الذي «فوجئت» ادارة اوباما به, قد أسهم في تسريع عملية المراجعة لسياساتها الشرق اوسطية ازاء انظمة الحكم الجديدة التي خلفت حليفيها في القاهرة وتونس, كذلك مَنْ هم الان اصحاب القرار في ليبيا, التي جاءت الضربة الاكبر لواشنطن منها بعد حرق القنصلية في بنغازي وسحل السفير الأميركي هناك..
في المشهد الضبابي الراهن, تبدو حكومة اردوغان اكثر الاطراف ارتباكا في تعاطيها مع الازمة السورية, على نحو لا يحتاج المتابع لسياساتها كبير عناء لاكتشاف مدى التناقض والحيرة في مقاربتها والخطوات غير المنسجمة التي أقدمت وما تزال تُقدم عليها, سواء في ما خص التعنت والكيدية التي ابدتها في اجتماعات الرباعية الاقليمية في القاهرة قبل يومين والتي تجلت في تصريحات احمد داود اوغلو في المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزراء الثلاثة بعد اجتماعهم الرسمي الأول.. ام في الكيفية التي تعالج بها المسألة الكردية الآخذة في التفاقم بعد استعادة حزب العمال الكردستاني زمام المبادرة, بعد فترة هدوء كان لدمشق الفضل الاول في حدوثه واستمراره, وكيف اختارت انقرة أن تُحمّل النظام السوري المسؤولية, بدل النظر الى المسألة من منظار آخر ينهض على مراجعة مواقفها الداعمة للتمرد على النظام السوري وامداد المعارضين بالاسلحة وتسهيل دخول السلفيين والتكفيريين عبر الحدود المشتركة, وتُنْكِر على دمشق ان تلعب لعبة مشابهة, رغم ان النظام السوري يواجه تمردا واسعا قد يكون دعم حزب اوجلان على ادنى درجات جدول اعماله... اهمية..
اللافت ان رئيس الوزراء التركي, الذي جرّد الحملة العسكرية تلو الاخرى ضد معاقل الثوار الاكراد داخل تركيا، وعبر حدودها على العراق وقصف بالطائرات والمدافع سلسلة جبال قنديل (داخل اقليم كردستان الذي يتزعمه مسعود برزاني)، اشترط القاء عناصر حزب العمال الكردستاني اسلحتهم من اجل وقف العمليات العسكرية..
ما يصح لأنقرة إذاً، لا يجوز لدمشق في منطق اردوغان. واذا كان حزب العمال الكردستاني ينادي بالمساواة والديمقراطية والاعتراف بخصوصية الثقافة وترى حكومة اردوغان في قادته وجمهوره, مجرد إرهابيين يهددون وحدة البلاد, فإن النظام السوري في نظرته الى المعارضات المسلحة وغير المسلحة, يتجاوز المنطق التركي في تعاطيه مع المسألة الكردية, ويدعوهم الى الحوار «غير المشروط» بهدف بلورة مصالحة سورية - سورية، يكون فيها مكان للجميع, دون تهميش او اجتثاث أو اقصاء ولإفشال مخطط تفكيك الدولة السورية وتدمير اقتصادها وحلّ جيشها وادخالها في دوامة الصراعات المذهبية والطائفية والعِرقية.
( الرأي )