من تحت القبة ومن تحت الطاولة..لا فرق !

اختتم مجلس النواب السادس عشر تاريخه تحت القبة بتمرير قانون المطبوعات والنشر المخجل وبصمت كئيب وتأييد ضمني لتصفية الحراك الشعبي وبانشغال شغوف على التشريع للمصالح الشخصية علنا وتحت القبة. في الثقافة الشعبية يوصف الفساد والصفقات والممارسات المشبوهة بأنها ممارسات تمرر من تحت الطاولة، أي بغياب القانون والشفافية. خلال عمر هذا المجلس أصبح لا فرق بين ما يمرر من تحت الطاولة وما مرر من تحت القبة العتيدة.
مهما كان تقييمنا لمجلس النواب الذي حل نفسه عمليا، فهل يحق له أن يهرب بهذا الشكل، وسط أزمة داخلية مركبة ومعقدة؛ فمسألة الهروب من جلسات المجلس التي أدت إلى فض الدورة الاستثنائية قبل ان تنجز ثلث ما أدرج على جدول أعمالها وبشكل يعني ضمنا نهاية هذا المجلس، تحتاج إلى وقفة جريئة أمام حجم الأضرار التي ألحقها في الحياة السياسية وتقاليدها، وفي الثقافة السياسية للمجتمع الأردني، وفي نظرة الرأي العام للمؤسسات التمثيلية.
وبغض النظر عن فكرة أن هذا المجلس تعرض للتزوير مثله مثل غيره من المجالس الأخيرة، فإن ما حدث سوف نحصده في ممارسة الناس للمشاركة السياسية وفي ممارسة الحقوق التي ترتبها، والدليل في المفارقة الراهنة كيف تمارس الحكومة دعايتها في إقناع الناس بالمشاركة السياسية والانتخابية، وفي الشارع الخلفي تمارس المؤسسة الديمقراطية الأم هذا السلوك؛ فما الجدوى؟ وما حجم التعديل الذي نحتاجه في الثقافة السياسية كي نستعيد الفهم الموضوعي لمفاهيم الديمقراطية والمشاركة.
سوف يحاكم هذا المجلس شعبيا وسياسيا بما يستحقه عاجلا أم آجلا، لقد انشغل المجلس في الوظيفة التشريعية بالدرجة الأولى بتمرير أجندات النخبة الحكومية المستعجلة وفق مصالح النخب التي مرت سريعا على الدوار الرابع خلال العامين المنصرمين، وبالتشريعات ذات الصلة بمصالح السادة النواب أنفسهم في الرواتب والتأمينات وجوازات السفر وغيرها، وهو ما لم يحدث بهذه الفجاجة في تاريخ هذه المؤسسة البرلمانية العريقة.
سيقول قائل وماذا عن التعديلات الدستورية وماذا عن قانون الهيئة المستقلة للانتخاب والمحكمة الدستورية؛ يعرف السادة والسيدات النواب أن لا يد لهم فيها بل كانت جميعها استحقاقا مطلوبا من القواعد العريضة ومرغوبا من الأعلى، فيما لم يكن لهذا المجلس أي حضور ملموس في الوظيفة الرقابية بل كان المجلس امتدادا للسلطة التنفيذية وأحد اذرعتها، ووفر الغطاء لتفريغ النقمة الشعبية على الفساد والفاسدين ووفر لهم أجنحة للهروب، ومنح بعضهم صكوك البراءة، وترك البلاد علانية ووسط الظهيرة وهي بأمس الحاجة الى مؤسسة برلمانية متماسكة وسط فوضى إقليمية ومعركة تكاسر دولية على الحدود الشمالية وأزمة اقتصادية وسياسية حادة في الداخل.
محنة الحياة البرلمانية – للأسف – ممتدة وسيلاحقنا شبح هذا المجلس سنوات طويلة، سيلاحقنا في البرلمان القادم الذي ستحل فيه بصمات هذا المجلس وسيحتاج الى وقت وجهد وبنية جديدة حتى يتخلص من هذا التراث، وسيحتاج العمل السياسي إلى إرادة وقدرة وجرأة لتجاوز ما شوه الحياة العامة خلال هذه المرحلة، ولكن الأهم من ذلك كله كم نحتاج من جهد وزمن لتبييض صفحة هذه المؤسسة الوطنية واستعادتها للناس؛ أن نقنع الناس أن ثمة فرقا كبيرا بين ما يتم تحت القبة وما يتم تحت الطاولة.
( الغد )