حين نفتقد «العقلانية» نضلُّ الطريق الى الصواب

أمران لا يجوز أبداً ان نفتقدهما في هذه المرحلة الحرجة: أمر “العقلانية” لكل ما نفعله ونقوله، وأمر “الفاعلية” التي بغيابها سندفع الى اليأس والخطأ والخسارة.
في الشهور الماضية افتقدنا - للاسف - سلطة “العقل” فقادتنا حساباتنا السياسية ومشاعرنا واهواؤنا الحزبية وحماساتنا ومظلومياتنا الى الاعتراك والصدام، وشعرنا في لحظة ان بوصلتنا تسير في عكس الاتجاه، واننا امام طريق مسدود، ومن سوء حظنا أننا استسهلنا الاستغراق في هذه “الحالة” وكدنا نستسلم للاقدار التي لا نعرفها ولم يكن هذا الشعور “بالعجز” الا نتيجة لافتقادنا “الفاعلية” وتلكؤنا في استبصار الحقيقة، وانحيازنا الى مقاعد “المتفرجين”.
أسوأ ما يطفو على سطح مجتمعنا اليوم وما يتغلغل داخله هو هذا الافتعال المقصود للخصومة السياسية المجردة من ادبياتها واخلاقياتها، وهذا الاصرار الغريب على “تغييب” وعي الناس والتذاكي عليهم، والمسؤولون عن ذلك هم مجموعة من “النخب” التي تصورت ان مرحلة “انعدام الوزن” تمنحهم فرصة ثمينة لاقناعنا (أو ايهامنا: لا فرق) بأن لهم وزناً في الشارع وبأنهم يتحدثون باسم قضايا الناس ويدافعون عنهم، فيما الحقيقة ان “مارد” الشعوب انطلق من قمقمه وكشف المستور، واصبح قادراً على التعبير عن ذاته ومصيره.. وتجاوز عقدة “القابلية” التي سوغها البعض وبنوا عليها “امبراطورياتهم” النخبوية.
تفاصيل المشهد في شهوره الاخيرة تبدو مفزعة، فثمة من امتهن “الضرب” على أوتار الاصلاح لكي يأخذنا الى مسارات مغشوشة، وثمة من أعادنا الى “مربعات” داحس والغبراء من اجل البحث عن مقعد في الصدارة، وثمة من اختزل مشكلاتنا في مواجهة مفتوحة بين مكونات لها حضورها واحترامها، لكنها لا تمثل كل البلد، ولا تستطيع بمفردها ان تحدد مصيره.
كل ما نعانيه في التفاصيل التي لا يسعدنا ان ندخل فيها جرى بسبب افتقادنا “للعقل” المرشد للصواب، وللفاعلية التي يمكن ان تحرك المياه الراكدة، فتطرد “الغثاء” وتدفع ما ينفع الناس الى الواجهة.
الآن، لا بد ان نستدرك المسألة، وان نستعيد الامساك بالزمام، فلا مصلحة لبلدنا في هذا “الشقاق” والتناوش، ولا جدوى من النقاش حول “كعكة” السياسة بعيداً عن قضايا الناس وهمومهم التي جرى تغييبها لمصلحة “ارضاء” النخب..
دعونا نفكر في عنوان “العدالة” مثلاً لكي نخرج من أزمتنا، فأمام موازينها يمكن ان نفتح ملفات الفساد، وملفات المواطنة والمظلومية، وملفات التعليم والوظائف والخدمات.. تصوروا أن كل خلافاتنا يمكن ان تحسمها كلمة “واحدة” هي “العدالة” وتصوروا ايضاً ان لدينا “عقلاء” يمكن ان يأخذونا الى السداد.. هل صعب علينا ان نجد ذلك “المفتاح” أو هؤلاء “الأحاد”؟ لا اعتقد ذلك، ولكنني اخشى ان تكون ثمة اطراف تدفع باتجاه آخر، كلنا نعرفه وندعو صباح مساء بأن لا نصل اليه.
( الدستور )