ثمن الغطرسة الإسرائيلية

أمر مذهل كيف أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية بزعامة (بنيامين نتنياهو) مصممة على خسارة ما تبقى من دعم دولي قليل لإسرائيل في العالم، في ظل عدم رضى قطاع مهم من المجتمع الإسرائيلي. فالغطرسة الإسرائيلية ومنطق اليمين المتطرف، الذي يعميه الاستعلاء والعظمة، بات جزءا من الثقافة الكولونيالية الإسرائيلية التي تسبب الغثيان للكثيرين في الغرب والشرق، بحيث أصبح هذا الواقع يحكم كل السجلات والمعايير. بل إن المؤسسة الإسرائيلية، ذاتها، باتت تعتقد أن احتلالها للكونغرس الأمريكي، مثلما هو احتلالها للضفة الغربية، خالد مخلد.
المسؤولون الإسرائيليون الذين قنعوا بأسطورة أن إسرائيل قوة عالمية وأن في مصلحة جميع دول العالم الاستماع إليها وإلا واجهت غضبها، أصابتهم الغطرسة مقرونة بمجموعة أمراض نفسية، ليس آخرها اتهام إسرائيل لجنوب افريقيا بالتصرف كدولة عنصرية عندما طلبت الأخيرة وضع علامات على السلع التي صنعها «مستوطنون» في مستعمرات الضفة تفيد بأنها صنعت في الاراضي الفلسطينية المحتلة لأن «المستوطنات»، وفقا لمحكمة العدل الدولية والقانون الدولي، غير شرعية. وكان نائب وزير الخارجية الاسرائيلي (داني أيالون) قد قال ردا على خطوة مقاطعة بضائع المستعمرات/ «المستوطنات»: «للاسف يبدو أن جنوب افريقيا ما زالت دولة تمييز عنصري، ففي اللحظة الحالية توجه جنوب افريقيا سياسة الفصل العنصري الخاصة بها نحو اسرائيل.!!!».
قبل نحو 4 أشهر أيضا، أسهب (نتنياهو) في مقابلتين مع صحيفتي «إسرائيل اليوم» و»معاريف»، في الثناء على نفسه وحكومته بعد ثلاثة أعوام من الحكم. فهو مرتاح إلى وضع حكومته الداخلي، وإلى ازدهار إسرائيل الاقتصادي، ومكانتها الأمنية الإقليمية والدولية رغم التحديات والمخاطر، متجاهلا كل الصعاب التي تواجهها إسرائيل. وقد أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «هآرتس» تراجعاً كبيراً في شعبية (نتنياهو) على خلفية سياسته الاقتصادية وفرض المزيد من الضرائب، حيث أعرب أكثر من 60% من الاسرائيليين عن عدم رضاهم تجاه السياسة الاقتصادية لرئيس الحكومة. وقالت الصحيفة أن «نتائج الاستطلاع تكشف الروح المعنوية السلبية السائدة في أوساط الإسرائيليين في ضوء الخطوات الاقتصادية الأخيرة لحكومة نتنياهو والتي أدت الى ارتفاع نسبة البطالة ورفع الضرائب، ما يزيد من الأعباء المفروضة على أبناء الطبقة الوسطى الاسرائيلية». وفي سياق معبر ربط السياسة بالاقتصاد، أعرب رئيس الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي (هانس سفوبودا) عن قناعته بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تطلق أية مبادرة جدية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وطالب (سفوبودا) دول الإتحاد الأوروبي، بالتصدي لبناء المستعمرات/ «المستوطنات» في الأراضي الفلسطينية وتجميد المساعي الرامية إلى رفع مستوى العلاقات الأوروبية مع إسرائيل في ظل حكومة (نتنياهو) الحالية. وقال: «في أعقاب لقاءاتي مع ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية والمعارضة وخبراء عسكريين، أشعر بالقلق لرؤية أن الحكومة الحالية ليس لديها رغبة في بدء مبادرات سلام جادة»، وأضاف: «نتنياهو يفشل في عملية السلام وفي التحديات الاجتماعية الداخلية». بل إن الغطرسة الإسرائيلية تجلت مؤخرا بوضوح في قضية تبرئة «المحكمة» الإسرائيلية قتلة الناشطة الأميركية (راشيل كوري) التي سحقتها جرافة عسكرية في قطاع غزة في 2003، الأمر الذي جعل مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة (ريتشارد فولك) يصف القرار بأنه «انتصار للإفلات من العقاب»، مضيفا: «إنها نتيجة محزنة لأسرة كوري قبل كل شيء ولسيادة القانون، أيضا للأمل في أن تضع محكمة إسرائيلية حدودا لعنف الدولة خاصة في أرض محتلة».
تثبت إسرائيل كل يوم، سواء من خلال سياساتها الخارجية او الداخلية، بأنها دولة متغطرسة لا تلتزم لا بالقوانين والاتفاقات الدولية ولا بميثاق الامم المتحدة. لذا، لم يعد أمرا غريبا اقتراف الدولة الصهيونية جرائمها دون النظر إلى العواقب، ذلك أنها أصبحت دولة لا تفهم ما ينشده العالم المعاصر. وفي ظل مناخ دولي مؤات كما هو الحال اليوم، وفي ظل الابتعاد عن خيارات أخرى ضرورية ولو أكثر راديكالية، يتوجب سرعة تحرك السلطة الفلسطينية، اليوم قبل الغد، للامم المتحدة للحصول على عضوية «دولة» ولو غير مكتملة رسميا أقلها من أجل أن يصبح بإمكان هذه «الدولة» رفع قضايا جنائية دولية ضد دولة الاحتلال!. ( الرأي )