نحو «شوارع» خالية من التحرش والمتحرشين

تم نشره الإثنين 24 أيلول / سبتمبر 2012 12:35 صباحاً
نحو «شوارع» خالية من التحرش والمتحرشين
عريب الرنتاوي

تنصرف الأذهان إلى الحراكات والتظاهرات والاعتصامات عندما يُؤتى على ذكر «الشارع»، هنا بالعادة، يسبغ المتحدثون لبوساً من «القداسة» على الشارع وحركته، ما جعل أهل «الشارع» يتصرفون كما لو أن «الحكمة» و«المصلحة» و«الحق»، أقران لهم، ترافقهم كظلهم، هذا ليس موضوعنا، الشارع الذي سنتحدث عنه اليوم، هو «شارع آخر» تماماً، وما يجري فيه يرقى إلى مستوى «الجريمة».

التحرش الجنسي ظاهرة إلى تفاقم في مجتمعنا، لم يعد القول «أنها ظاهرة طارئة ودخيلة» على مجتمعنا بقيمه وعاداته وتقاليده وثقافته، مجدياً، فضلاً عن كونه بحاجة لبحث أعمق وأدق، ضحايا التحرش نساء وفتيات من مختلف الأعمار والأذواق والمرجعيات، محجبات و«سافرات»، كبيرات وصغيرات في السن، شوارعنا لم تعد آمنة لنسائنا وبناتنا، لا سيما المنخرطات منهن في سوق العمل والدراسة، وتتطلب ساعات دوامهن ودراستهن، البقاء حتى ساعات المساء في «الشوارع» بحثاً عن «تكسي» أو «سرفيس».

رجال تضيق بهم «فحولتهم»، فتفيض ألسنتهم بأقذع العبارات والكلمات، وأحياناً يعبرون بأيديهم وألسنتهم وعيونهم، عن أكثر مشاعرهم إثارة للقرف، لا يأبهون لفوارق السن، إذ من المألوف أن تجد ولداً «يعاكس» إمرأة بعمر أمه، أو رجلا يتحرش بفتاة بعمر حفيدته، التحرش لا يعترف بفوارق الأعمار وتعاقب الأجيال، حتى القاصرات، وبالأخص القاصرات، هدف جاذب للمتحرشين.

رجال وشبان يجوبون الشوارع بسياراتهم بحثاً عن «الفريسة»، وكل إمرأة عند هؤلاء مشروع فريسة، ما لم يثبت العكس، ما أن يروا فتاة تقف على قارعة الطريق بانتظار سيارة أجرة على سبيل المثال، حتى يبدأون بالاقتراب و«التزمير» واخراج الرؤوس والايدي من «الشبابيك» بخلاف «الحكمة التي طالما قرأناها على جدران «باصات النقل العام»: «ممنوع إخراج الرأس والايدي من الشباك.. ممنوع التكلم مع السائق».

قبل أيام، أخبرتني سيدة فاضلة، أن استخدام جسور المشاة لم يعد آمناً للسيدات، هناك من استدل عليها كمكان مناسب لـ«نصب شراكه»، يقف المتحرش على الجسر بحجة أنه يود العبور أو الاستمتاع بمشاهدة سيل السيارات المتدفق، أو أحياناً «يلطي» بداخله، بانتظار الفريسة، حيث يأخذ التحرش هنا شكلاً جسدياً مؤذياً، وربما استعراضا أمام الفريسة، ظناً منه أنه يُقدم «عرضاً يصعب رفضه»، شيء مخجل ويدعو للتقزز والاشمئزاز.

أذكر ذات صباح، أن زميلة صحفية، أخبرتي والغضب يهز أركان جسدها عن رجل يمتطي «باص كيا»، أخرج رأسه من الشباك وعرض عليها عشرة دنانير كحافز يشجعها على الصعود إلى جانبه، هو أيضاً ظن أنه قدم عرضاً لا يقاوم، لقد بلغ به الرخص حد استرخاص أعراض الناس إلى هذا الحد البائس.

التحرش بات مهنة كثيرين ممن لا مهنة لهم، أرى شباناً يقضون ساعات على قارعة الطريق والمستديرات، لا هم لهم سوى إطلاق الكلام البذيء يمنة ويسرة، بعضهم نسي مشيته الأصلية لفرط انشغاله في الإشارة إلى الأماكن الحساسة في جسده، لكأنه يريد البرهنة لكل من تسير على الطريق بأنه مكتمل «الرجولة» و«الفحولة».

بعض سائقي سيارات التكسي، غارقون في «مهنة التحرش»، هم في الأصل لا يتوقفون للرجال، يفضلون «تحميل الفتيات والنساء»، لقد ضبطوا زوايا واتجاهات «المرايا» الجانبية والوسطى بحيث يلاحقون فريستهم حيثما دارت واستدارت، مختاراتهم من الأغاني تصلح مقدمات لعملية التحرش، وأحاديثهم المثيرة للغثيان تدور حول محور واحد فقط، لا أكثر، بعضهم كبار في السن، ويبدأون أحاديثهم بهجاء زوجاتهم، علَّ ذلك يشكل مدخلاً للحديث عن «الحب» و«الحنان» و«العلاقات البديلة».

بعضٌ ممن تتحدث معهم عن الظاهرة، يلقون باللائمة على النساء أنفسهن، ضحايا التحرش، كلامٌ سخيف قولاً واحداً، لا لأن الضحايا كما قلنا من مختلف المرجعيات، بمن فيهن «الكاسيات غير العاريات» والمحجبات، بل لأن لجميع النسوة الحق في «الأمن والأمان»، حتى وإن اخترن من اللباس أقله.

من يحمي النساء من التحرش؟، كيف نجعل شوارعنا خالية من هذه الظاهرة الفاسدة، كما أصبحت خلواً من «البسطات»؟، هل يمكن لـ«أحد ما»، «جهة ما، حكومة ما» أن ترفع شعار: «2013 شوارع آمنة للنساء، شوارع بلا تحرش ولا متحرشين».
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات