حروب بلا أوزار!!
ما من عصر اشتبك فيه المؤرخون حول الحروب التي تقع ولا تقع كهذا العصر، خصوصاً بعد ان قدمت لنا حروب ما بعد الحداثة نماذج من حروب ليس لها أوزار كي تضعها لكنها تحصد الغنائم وتوزع الهزائم كما لو انها حرب حقيقية.
يقول عالم الاجتماع الفرنسي جان بوديار عن حرب الخليج الثانية انها لم تقع رغم انها وقعت بالفعل وانتهت الى ما انتهت اليه من دمار واعادة رسم لخطوط الطول والعرض في تضاريس هذه المنطقة.
والحرب التي يدور السجال منذ زمن حولها هي بين ايران واسرائيل، وان كانت في حال اندلاعها لن تبقى في هذا النطاق الثنائي، هذه حرب لا بد منها، وان لم تقع بالامس أو اليوم فان وقوعها محتم اذا استمرت متوالية التصعيد سياسياً وعسكرياً وايديولوجياً، لكن ما نجهله عن حرب كهذه هو انها لن تكون كلاسيكية أو على غرار سابقاتها ومنها حروب الخليج الثلاث.
ما نسمعه من خبراء عسكريين ان اسرائيل لن تكرر عملية تدمير المفاعل النووي العراقي وبالاسلوب ذاته، وذلك لسببين احدهما لوجستي متعلق باللاموضعية المكانية لمنشآت ايران النووية كما كان الحال في منطقة سلمان باك العراقية.
والسبب الثاني وهو الأخطر، تطور الاسلحة وبتسارع مُثير خلال العقدين الماضيين لهذا يتوقع خبراء عسكريون ان تستخدم اسرائيل قنبلة كهرومغناطيسية وهي الاسم الآخر لقنبلة نووية نظيفة، وهذه القنبلة هي موجة اشعاعية تدمر البنية التحتية تماماً ومنها الكهرباء، ولا يكون لها أعراض جانبية على غرار ما حدث في هيروشيما وناجازاكي، وما يضيفه هؤلاء الخبراء العسكريون هو ان ايران بعد سبعة أشهر قد تحقق ما تحذر اسرائيل منه، لكنه لن تكون البادئة، أما السؤال فهو هل سيكون بمقدورها مثل هذا الرد اذا حققت تلك القنبلة أهدافها في تدمير كل ما تسري فيه الكهرباء بتحالف فيزيائي مع الطاقة المغناطيسية؟
بالطبع نحن لا نتنطع للاجابة عن اسئلة من هذا الطراز، فهي ذات صلة باخصائيين وعلماء وخبراء، لكن ما يعنينا هو ان هذه الحرب تندرج في قائمة ما يمكن تسميته الأشباه. فنحن نعيش الآن شبه حرب باردة وليس حرباً باردة بالمعنى الكلاسيكي، والأزمة السورية هي البؤرة الملتهبة التي تستدعي مثل هذا الشبه, وأحياناً يكون التلويح على مدار الساعة باندلاع حرب بديلاً عن الحرب ذاتها، وخلال هذا التلويح تتم تحالفات وتجري مناورات وتستعرض قوى وتمارس الدبلوماسية دورها الخشن والساخن.
لن نعيد ما قاله ونستون تشرتشل لسائق سيارته عندما سأله متى تنتهي الحرب؟ لأنه ضحك وقال له كنت سأسألك السؤال ذاته! والاسئلة والهواجس عن نهايات الحروب قد لا تختلف عن بداياتها ولا أدري بماذا سيجيب أحمد نجادي أو نتنياهو سائقيهما لو سألا السؤال على نحو معكوس وهو متى ستندلع هذه الحرب؟؟
( الدستور )
