حروب ضد الذات

قسما بالنازلات الماحقات
والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشاهقات الشامخات
نحن ثرنا، فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا..فاشهدوا..فاشهدوا.
الى نهاية هذا النشيد، الذي كنا نقوم بنشيده جميعا بشكل كورالي قبل الدخول الى الصفوف الابتدائية والإعدادية . كان ذلك بين الستينيات والسبعينيات، وقد استمر النشيد عادة نكررها مرة او مرتين في الأسبوع بعد تحرير الجزائر ، ثم انهيت المرحلة الإعدادية ، وجاء جيل جديد بعدنا استمر في النشيد حتى أجل لا أعرفه، لأني انتقلت الى المرحلة الثانوية ..بلا نشيد.
كنا صغارا وفقراء وشبه جياع، لكننا كنا نمتلئ فخرا وثراء ونحن ننشد هذا القسم عن الثورة الجزائرية المنجزة، التي كانت اول ثورة انتصرت على الاستعمار عسكريا ..كانت ثورة تعمدت بدم مليون شهيد ، كما كنا نعرف، ثم ارتفع الرقم الى مليون ونصف المليون بعدما ازدادت معرفتنا بواقع الأمور.
ما الذي كان يجمعنا مع الجزائر نحن التلاميذ في مدرسة مسيحية مهملة في قرية مهملة في دولة ناشئة وصغيرة وفقيرة مثل الأردن؟؟؟
كانت تجمعنا العروبة وروح الثورة التي انتشرت آنذاك، وابعدت عن ارواحنا شيطان نكبة فلسطين الأولى التي ولدنا وهي جاثمة فوق ارواحنا ، كان يجمعنا الإعجاب بهذا النصر المتحقق بالدم والنار ، وكم كنا نشعر بالحرج- نحن التلاميذ الأكثر فقرا- ان لا نجد ما نتبرع به عندما كانت ادارة المدرسة تطلب منا تبرعات رمزية لدعم ثورة الجزائر.
كانت أناشيدنا في طابور الصباح موزعة على أيام الأسبوع، اليوم الأول ننشد:»بلاد العرب اوطاني ، من الشام لبغدان» وفي الثاني ننشد:»سوريا يا ذات المجد، والعزة في ماضي العهد» وفي الثالث ننشد:»يا علمي يا علم..يا علم العرب اشرق..» ويوم ل:» موطني موطني ..الجلال والجمال ....
اقصد اننا كنا عروبيين تماما..هكذا تربينا..بالأحرى هكذا تربى جيلنا في الستينيات والسبيعينات، ولا اعرف من اطلق النار على هذه الأناشيد ولا متى، حتى تحولت اناشيدنا الى نداءات اقليمية ثم الى مناطقية ثم الى عشائرية ثم الى نداءات بين افخاذ العشائر ثم اعلنت الحرب بين ابناء العم ثم الإخوة..ثم صار الواحد فينا يتحارب مع نفسه. ( الدستور )