ذاكرة ايقاع الصوت!

أمس الأول اتصل بي أحد الأصدقاء، وهو بالمناسبة من المقيمين في دولة الامارات، وقد تفاجأ صديقي وقبل أن يكمل كلمة «الو»، بترحيبي به ونطق اسمه!! وقال لي صديقي كيف عرفتني بهذه السرعة، فما كان مني الا ان قلت له» ان ايقاع صوتك يا صديقي في اذني ليس محايداً، فصوتك بالنسبة لي وبالقاف التي تتحول الى كاف، هو صوت معبأ بالنزوح والهجرات، وبحته احيانا تأتي من فلسطين وفي أحايين أخرى تأتي من الزرقاء مكان نزوحك الأول، وبعدها يأتي الصوت وهو يمتلىء بايقاع بحر الشارقة ودبي.
ضحك صديقي وكان علي ّ بعد ذلك أن أتذكر ايقاع صوتي واصوات باقي اصدقائي حين كنّا نغرق في لذاذات شقاوة الطفولة وكيف كانت اصواتنا نحيلة وحادّة، بحيث كانت تبدو أقرب الى أصوات الطيور.
وتذكرت اصوات امهاتنا التي كانت تخرج من حناجرهن وكأنها مجرحة بالأنين والشكوى والدعاء، بينما كانت اصوات الاباء تضج بايقاعها الحازم والمعافى بالعافية التي تقترب من الزجر غير المبرر.
وكان عليّ في هذا المقام ان أتذكر أصواتنا التي تضخمت فجأة عند سن البلوغ والوقوف على اعتاب الرجولة المبكرّة. وقد كان هذا يجعلنا نتمادى بالحديث والاطالة به، حيث كنا نبدو فرحين بهذا الانقلاب الصوتي.
وقد كنّا نذهب الى ابعد من ذلك ونحن نقلد اصواتاً لفنانين مصريين، مثل محمد رضا وامين الهنيدي وتوفيق الذقن. لا بل كنّا نقلد صوت الفنانة ماري منيب بكل ما فيه من غنج وقهقهة!!
واستكمالاً لنقاشي مع صديقي عن ذاكرة الاصوات قلت له على نحو مباغت: هل تلاحظ يا صديقي ان الاصوات التي صرنا نسمعها تبدو في ايقاعها وكأنها صادرة عن كائنات شبحية، وانها ليست محملة في ايقاعها بأي نوع من ترك الانطباع، وانك صرت وحينما تستقبل اي مكالمة هاتفية تشعر ان الصوت يأتيك من كوكب آخر، وأضفت اننا نسمع اصواتاً تنبت من الريموت كنترول، انها اصوات الديجتل الرقمي.
ضحك صديقي مرة اخرى وكان عليّ أن أتذكر فقدان الحنان في صوت جيل كامل الدسم، وأن ما نسمعه من اصوات هو بالمجمل عبارة عن ضجة غبية!!.
( الدستور )