الإبداع الشعبي في الاحتجاج

بفعل الربيع العربي وحده، بدأت الافكار الابداعية في الاحتجاج الشعبي تظهر الى العلن يوميا، بعضها منسوخ عن حالات مشابهة، والآخر، ابداع حقيقي، لا بد لنا من رفع القبعات امامه.
أن يفكر رجل انقطعت عنه المياه لأسابيع في أن يحمل ابناءه الى اقرب سلطة للمياه ويقوم بخلع ملابسهم، من أجل الاستحمام على حساب مياه السلطة، فهذه قمة الفانتازيا المبدعة والخارقة.
وأن يقدم سائق على خلع ملابسه والبقاء شبه عار، عند دوار صويلح، بعد أن قام أحد رقباء السير بتحرير مخالفة مرورية بحقه، فهذه رسالة الى من يهمه الامر، بان الخزان امتلأ الى نحو الدلق على كل شىء.
وأن يحضر شاب الى اعتصام امام رئاسة الوزراء، في مشهد غريب، متنكرا في ملابس على شكل خروف، وحمل لافتة كتب عليها "أنا الشعب الأردني" اعتراضا على ارتفاع الأسعار، فإن هذا قمة السلوك الابداعي، ومن دون شعارات سياسية متطرفة او مهادنة، فالرسالة وصلت، وبتوقيع شباب لا يمكن ان يتحولوا الى خراف.
وفي اعتصام غريب، وامام الرئاسة ايضا، يقف شباب يحملون يافطات تؤيد الفساد، وتدعم الفاسدين، وتبارك كل الخطوات باتجاه بيع ثروات البلاد، فقد طفح الكيل كثيرا.!
في معظم المسيرات نشاهد اشكالا عديدة من الابداع الشعبي، من شباب واطفال وصبايا ورجال مجربين، يلفتون النظر الى ما يحملونه من يافطات كتبت عليها شعارات وأغان واشعار، لا تدري كيف ابدعها العقل البشري في لحظة الازمات.
الحراك الشعبي ومهما اختلفنا على تقويمه، لا يزال يحمل مطالب محقة، لا يمكن التنازل عنها مهما انخفضت أعداد المشاركين في الحراك، ومهما اختلفت طريقة التعامل الامني معها إن كان ناعما او خشنا.
وحدها الحكومة، واجهزتها لم يقع في عقلهما اشكال ابداعية في التعامل مع الواقع الجديد، ويمارسان تقطيع الوقت، والتعامل بالقطعة مع كل حدث في انتظار أن يأتي اليوم التالي بجديد وقد انخفضت المطالبات، رغم أن بوصلة الاوضاع العامة في البلاد مرتبكة، حائرة، ضبابية، تنفيذ بطيء، و"دخول في الحيط".
الاحتجاجات الشعبية لم تضع أوزارها بعد، وإن تباينت في زخمها، فقد استأنفت الحركة السياسية عناوينها الاصلاحية مرة اخرى، بعد ان تبين ان لا شيء يحدث واقعيا على الارض، وانما سياسة تسكين، ومماطلة.
فالحكومة المشكّلة منذ نحو اربعة اشهر لم تقم بأية خطوات اصلاحية جادّة، بل في حالة تراجع في الحريات، والقرارات الاقتصادية، وهي تشبه هيئة متابعة لبرنامج سواء في السياسة أو الاقتصاد وبأدوات جديدة.
في هذه المرحلة، الأجدر ان نتيقظ الى:
الاسراع في تحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين، وعدم الجلوس على مقاعد الانتظار والتحليل لما يجري في المحيط العربي، لأن الضامن الوحيد لاستقرار الوضع العام في البلاد هو المبادرة الى الانفتاح على قوى الشعب وتنفيذ حزمة الاصلاحات العامة.
والحفاظ على الطابع السلمي وسعة الصدر تجاه الاحتجاجات الشعبية، السياسية منها والاجتماعية، وفتح قنوات حوار غابت منذ سنوات مع اصحاب هذه الاحتجاجات.
كما تقتضي الحكمة عدم العودة الى العنف والمواجهة في العلاقة مع قوى الشعب الطامحة الى التغيير. وعلينا أن نستوعب الدرس، في عدم التلكؤ في تنفيذ استحقاقات الاصلاح والمطالب الشعبية، في الحلول الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد .
( العرب اليوم )