«مؤتمر إنقاذ سوريا» .. الظروف والملابسات

تم نشره الثلاثاء 25 أيلول / سبتمبر 2012 01:23 صباحاً
«مؤتمر إنقاذ سوريا» .. الظروف والملابسات
عريب الرنتاوي

تأخر انعقاد “مؤتمر الانقاذ الوطني” الذي نظمته معارضة الداخل بقيادة “هيئة التنسيق الوطني”، لكن أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً، سبب التأخير لا يعود فقط لخلافات المعارضة فحسب، وان ظل هذا السبب حاضراً دوماً في جميع مؤتمرات المعارضة، أينما عقدت وعلى أي مستوى، هناك أسباب أخرى، منها أن النظام ما كان ليسمح بانعقاد مؤتمرات كهذه، لو أن ثقته بخياره الأمني/ العسكري ما زالت على حالها، وهو الآن في وضع أضعف من أي وقت مضى، ولهذا بات انعقاد مؤتمر كهذا أمراً ممكناً.

ثم، أن معارضة الداخل (السلمية) نفسها، وبعد 18 شهراً من “الأزمة” أو “الثورة” أو “الانتفاضة المسلحة”، وبعد ثلاثين ألف قتيل وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمعتقلين والمفقودين، ومئات ألوف النازحين واللاجئين، وخراب حلب وحمص وحماة وريف دمشق، تجد نفسها أكثر قدرة على الافلات من قبضة “الابتزاز” و”الترهيب” التي أشهرتها في وجهها بعض معارضات الخارج، وأفقدتها القدرة على التعبير الحر والطليق عن آرائها وتصوراتها، دون خشية من الاتهام بـ”العمالة” و”الخيانة”، ولقد كان لضعف المجلس الوطني السوري، وتآكل الثقة بدوره و”تمثيليته” أثر في تشجيع معارضة الداخل، على أخذ زمام المبادرة، وامتلاك الجرأة على قول “الكلام المباح وغير المباح”.

اضف الى ذلك أن حلفاء سوريا “الأقربين” باتوا يستشعرون الخطر لا على مستقبل نظام دمشق في ظل عجزه الموصوف عن اتمام “الحسم العسكري الناجز”، بل وعلى مصالحهم في سوريا ومستقبل نفوذهم وأحجام أدوارهم في المنطقة، فبادروا لتقديم الضمانات للمؤتمر ووفروا شبكة أمان للمؤتمرين، وهم مارسوا بلا شك، ضغوطاً ما كان بامكانهم ممارستها على النظام من قبل، ولقد تجلى هذا الجديد في مواقف “الحلفاء” في حضور سفرائهم النشط في المؤتمر.

اذن، معارضة الداخل، التي دعت في ختام مؤتمرها الى اسقاط النظام بكل رموزه وبنياته، ولكن بصورة سلمية ومن دون تدخل عسكري أجنبي، وجدت نفسها بعد كل هذه التضحيات، قادرة على الافلات من قبضة النظام و”ابتزاز” معارضي الخارج، وهي تتشجع اليوم بفعل فشل خياري الحسم العسكري عند السلطة والمعارضة على حد سواء، وتكتسب زخمها من دخول طرفي الصراع في سوريا مرحلة “انعدام القدرة على الحسم”، وانتشار القناعة لدى أوساط سياسية سورية متزايدة، بـ”عبثية” الصراع ونتائجه الكارثية على سوريا، وطناً ودولةً ومجتمعاً وشعباً وكياناً ومؤسسات.

لكن ذلك لم يمنع النظام ولا معارضة الخارج، المسلحة منها على وجه الخصوص، من اطلاق القذائف العشوائية على المؤتمر والمؤتمرين، السلطات الأمنية السورية التي سبق وأن اعتقلت سبعة من أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر، لم تتوان عن “المقامرة” بعلاقتها الطيبة مع حلفائها (الصين بخاصة) حين أقدمت على طريقة العصابات المسلحة، على اختطاف ثلاثة من قادة هيئة التنسيق على طريق المطار وهم في طريق العودة من زيارة رسمية لبكين، ورغم الضمانات التي قطعها “الحلفاء” للمؤتمر والمؤتمرين، بعدم التعرض لهم، وضمان أمن ضيوفهم الذين كان من المفترض أن يتوافدوا الى دمشق للمشاركة في “انقاذ سوريا”، اعتقال القادة الثلاثة، منع آخرين من الالتحاق بفعاليات “المؤتمر الوطني”.

في المقابل، شنت معارضة الخارج، بعضها على الأقل، مسلحوها على الأكثر، هجوماً عنيفاً على المؤتمر، وصوروه كما لو أنه موتمر استثنائي لحزب البعث الحاكم، جرموا المشاركين، واعتبروهم “ذراعاً ناعمة” لماهر الأسد والفرقة الرابعة، ووصفوا اعتقال القادة الثلاثة بـ”المسرحية المفضوحة” التي تبادل فيها النظام والمؤتمر الأدوار، لاعطاء صدقية لهذه المعارضة “المتخاذلة”، اتهموا “المؤتمرين” بأنهم يمنحون النظام “مهلة اضافية” لكأن جحافل “زحفهم المقدس”، كادت تدك أسوار القصر الجمهوري (قصر الشعب) وأن ما منعها من أداء مهمتها على أكمل وجه، هو انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت غير الملائم؟!.

وجرياً على عادتها، شنت فضائيات معينة هجوماً مكثفاً على المؤتمر، وسعت في “شيطنة” المؤتمرين، بل وتصويرهم كـ”حفنة من الشبيحة بالياقات المُنشاة”، طمست كل حضور “محترم” في المؤتمر، وأبقت عدساتها متسمرة على سفراء ايران والصين وروسيا (غير المحترمين من وجهة نظرها)، مع أن عدداً من سفراء وممثلين عرب وأجانب وأوروبيين كانوا ضيوفاً على المؤتمر كذلك، قللوا من شأن قراراته، وحالوا دون أن يبحثوا في طياتها عن أي برهان يؤكد “عمالة” هؤلاء للنظام، مع أن المؤتمر تبنى وثائق سابقة للمعارضة في القاهرة وغيرها، وفي وثائقه الخاصة أيضاً، ما يدعو لاسقاط النظام وتغييره”، بنية ورموزاً، مع التشديد بالطبع على رفض العسكرة والتطيف والتمذهب والتدخل الأجنبي.

وعندما فشلت تلك الفضائيات في نيل مرادها، صبت جام تركيزها على عدم جدوى مثل هذه المؤتمرات فيما أزيز الرصاص يلعلع فوق رؤوس السوريين، وقدمت المسألة كما لو أن “المؤتمرين” في واد، والشعب السوري في واد آخر، سبب ذلك أن المؤتمر يُظهر للعالم والسوريين، أن في سوريا وطنيين واصلاحيين وثوريين، ليسوا من ملة السلفيين ولا هم من مدرسة الاخوان المسلمين.

لقد شهدنا على مائدة المؤتمر، رموزاً محترمة من المعارضة، بعضها قضى “دهراً” خلف قضبان النظام وفي أقبية سجون، رأينا مثقين وفنانين وأكاديميين ممن نفخر بهم ونعتز، هؤلاء لا نراهم في العادة على شاشات الفضائيات اياها، وعندما يُستحضر أحدهم، وغالباً من باب رفع العتب والحفاظ على ما تبقى من “مهنية مغدورة”، نرى المذيعين ومقدمي يضيقون ذرعاً بهم، وغالباً ما ينقطع الحديث معهم لـ”نفاد وقت البرنامج”.

مؤتمر انقاذ سوريا، اذ يأتي متزامناً مع وصول الصراع في سوريا وعليها، الى مرحلة “الانهاك المتبادل”، ومع دخول مهمة الأخضر الابراهيمي حيز التنفيذ، وبعد أحداث بنغازي و”انتفاضة الفيلم المسيء” وتداعياتها على المواقف الدولية (الأمريكية بخاصة) يكتسب أهمية مضاعفة، وسيكتسب أهمية أكثر، ان واصل “المؤتمر” مساعيه لضم مزيد من قوى المعارضة العاقلة في الداخل والخارج.
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات