من القاموس المعاصر : المتنفذون والطحن !

نفذ، ينفذ، فهو متنفذ:
المتنفذون تعبير مطاط متسع، يطلق على فئة من الناس، بوسعها عمل أي شيء، بدون مساءلة من أحد، والأهم بمساعدة وثيقة من كثيرين، هم عادة أعضاء في النادي، يقدمون خدماتهم لحملة بطاقة العضوية، لقاء منافع مشتركة، وبينهم كلمة أو كلمات سر، تفتح مغاليق أي باب، ولا يكاد يستعصي عليهم شيء، وفي الأثناء يدوسون على بشر وقوانين وأنظمة ومصالح، دون أن يرف لهم جفن!
المتنفذون، لهم باع طويل جدا، يصلون به إلى مناطق بالغة الحساسية، يبدو أنها في منأى عن أي تدخل، لكنهم في الحقيقة يستطيعون تبديل وثائق، وتمزيق اعترافات أو إفادات، وزيادة وقائع، أو تعديل مسارات، فهم يمتلكون قوة غير محدودة، ويكادون أن يكونوا دولة داخل أي دولة، ولا يختص وجودهم في العالم النامي أو الثالث، بل هم موجودون في كل مكان في العالم، لكن قوتهم تزداد بشكل متعاكس، مع قوة القانون، فكلما كان البلد يحترم القانون أكثر، كان المتنفذون أقل تأثيرا، وفي البلاد المتخلفة، حيث تتراجع هيبة القانون كثيرا، تكون قوتهم أسطورية، فهم فوق القانون والشعب والحكم أحيانا!!
طحن، يطحن، طحنا، فهو طحين، وفي زمن مضى، كنا نذهب بالحَب (وليس الحُب طبعا) إلى بابور الطحين، ونعود به طحينا، ومن أشكال الطحن الأخرى: طحن العدس كي يصبح عدسا مجروشا بالطاحونة اليدوية، المكونة من حجرين ضخمين، يدار أحدهما بالذراع، في هذا الزمن اختلف الطحن كليا، فهو يتم بشكل آلي، واختفى تماما بابور الطحين، أو هكذا خيل لي، إذ بحثت في غير مكان عن بابور طحين كي أطحن شعيرا، كي أصنع منه خبزا، فلم يسعفني أحد، وتلقيت نظرات غريبة تتساءل في أعماقها عما يبحث عنه هذا المجنون، القادم من زمن سحيق!
من عائلة الطحن: الفرم، نتذكر هنا رسما كارتونيا للسادات وهو يمسك بماكينة فرم اللحمة ويفرم فيها خصومه، وعلى لسانه كلمة: أنا حفرم! وبالفعل فقد فرم، لكنه فيما بعد وجد من يفرمه، رحمه الله، وعلى لسان الكثيرين: لك يوم يا فارم، كما هو شأن من يهدد بطحن الناس، الذين يقولون له لك يوم يا طاحن!
ومن الطحن والفرم، إلى الهرس والمعس، المعص، والدعس، والفعص، والفعس والفعص، وكلها أشكال متعددة لتحويل الكتل المنبعجة إلى مستوية، بتعبير آخر: تسويتها بالأرض، وثمة أدوات كثيرة لهذه التسوية منها على سبيل المثال لا الحصر: المدقة ويد الهاون، والأحذية الثقيلة أو البساطير، وثمة من يتغزل بهذا الحذاء «الحنون» باعتباره قادرا على رسم نقوشه السفلية على وجوه بني البشر، الذين يعشقون الشمس، والشموخ بجبهاتهم عاليا، وثمة -أيضا- من لا يعرف بعد أن مثل هذه الندوب التي يتركها «توقيع» الحذاء الثقيل على قفا أحد ما، أو جبهته، لا تزول بالغسيل، ولا بالهايبكس، بل تتحول إلى ندوب بالروح، تبقى تنادى بالثأر!
أبدو وكأني غريب بعض الشيء، ولم لا، فحينما تسمع مفردات تحاور غريبة مثل الطحن والهرس والفرم، ينصرف ذهنك إلى أناس عاجزين، لا يتقنون فن الحوار، بل يلجأون إلى أكثر الأساليب عجزا في التاريخ البشري، لسيطرة فرد على آخر: أعني بالقهر، وهذا أسلوب قد يجدي مؤقتا، ولكنه يزرع بذرة الثورة!.
( الدستور )