يدّعي لنفسه أو إدارته دوراً

الرئيس باراك اوباما أصبح من طائفة المُرجئة، ليس دينياً وإنما سياسياً، فخطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلثاء عرض مشكلات أكتفي هنا بما يعنينا منها، سورية ومصر وليبيا وفلسطين وايران والعنف. وهو أيَّد ودان وكرر مواقف معلنة، من دون أن يقترح حلولاً، فهذه أرجأها الى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
ثمة نقطة واحدة أريد أن أسجل اعتراضي الشخصي عليها، فالرئيس بدا في بعض خطابه وكأنه يدّعي لنفسه أو إدارته دوراً أو فضلاً في الثورات العربية. وفي حين أنه كان يرد على اتهام المرشح الجمهوري ميت رومني له بأنه أطلق قوى معادية للولايات المتحدة، فإن الإيحاء بأن الثورات العربية «صُنِعت في أميركا» خطأ، بل إهانة للثوار والشهداء، فهؤلاء جميعاً ثاروا لأسباب داخلية واضحة جداً، وهم لا يثقون بأميركا أصلاً.
كنت قبل ساعتين فقط من خطاب الرئيس في الأمم المتحدة، تلقيت اتصالاً هاتفياً من الزميلة فاطمة النجدي، التي أجرت لي مقابلة حيّة على برنامجها في تلفزيون «اون» استمرت نصف ساعة، قلت فيها إن الرئيس سيقول كذا وكيت وسيدافع عن إدارته ويهاجم العنف الذي أطلقه الفيلم البذيء عن رسول الله، إلا أنه لن يقدم حلولاً.
وهو فَعَل، فوَردت كلمة الديموقراطية في خطابه 15 مرة، والحرية 13 مرة، والعنف 13 مرة، وليبيا 11 مرة، وإيران سبع مرات، واسرائيل خمس مرات، ومصر خمس مرات، وفلسطين مرتين. وربما زدت هنا أن كلامه عن فلسطين والفلسطينيين كان مجرداً من أي محتوى حقيقي أو جديد، الى درجة أن «نيويورك تايمز» و «وول ستريت جورنال» أمس، لم تنشرا منه أيَّ كلمة في ملخص كلٍّ منهما للخطاب الذي استغرق إلقاؤه نصف ساعة.
عن ايران، كرر ثقته في أن الخطوات الديبلوماسية ستمنع ايران من إنتاج قنبلة نووية. وهو بذلك واصل معارضته سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ورفض رسم خطوط حمر إذا تجاوزَتْها ايران تتعرض لعمل عسكري. الواقع أن اوباما كرر، من دون أن يحتاج الى كلام، احتقارَه الشخصي رئيس وزراء اسرائيل، ورفض أن يقابله رغم وساطات يهود أميركا، بمن فيهم رام ايمانويل رئيس بلدية شيكاغو وكبير موظفي البيت الأبيض السابق، وهو خدم يوماً مجنداً في جيش «الدفاع» الاسرائيلي، أي جيش القتل والاحتلال والتدمير العنصري الفاشستي.
«وول ستريت جورنال»، وهي ليكودية تمثل الأثرياء، قالت إن اسرائيل وايران لا تصدقان اوباما، ولا اعتراض لي هنا، إلا أنني قرأت تعليقاً في الجريدة على الخطاب كتبه ألان ديرشوفيتز، الذي وصفته الجريدة بأنه أستاذ قانون في جامعة هارفارد وأصفه بأنه ليكودي أميركي متطرف يؤيد دولة إرهابية. هو يريد أن تهدد الولايات المتحدة ايران بحرب إذا واصلت العمل لإنتاج قنبلة نووية.
في مئة سنة، أو ألف سنة إذا شئت المبالغة، لا يمكن ايران أن تهدد الولايات المتحدة، سواء ملكت القنبلة النووية أو لم تملكها. ومع ذلك، أعوان الجريمة الاسرائيلية يريدون أن تحاربها الولايات المتحدة لحساب اسرائيل وتعرِّض المصالح الأميركية لخطر هائل والمنطقة لحرب مدمرة.
طبعاً محمود أحمدي نجاد من الجهل أن يساعد أعداء بلاده، فالرئيس الإيراني اختار زيارة نيويورك ليكرر حملاته (بالكلام فقط) على اسرائيل، ويقول إنها شيء عابر في الشرق الأوسط ومصيرها الزوال حتماً، ما اختار أتباع اسرائيل أن يفسروه بأنه استمرار لتهديده بمسح اسرائيل عن خريطة الشرق الأوسط.
أكتب قبل ساعات من إلقاء الرئيس محمد مرسي خطابه، والمسؤولون الذين رافقوا الرئيس المصري قالوا لي إنه سيكرر دعوته الى سياسة أميركية أكثر توازناً في الشرق الأوسط، ووقف الالتزام الكامل بإسرائيل وتقديم مصالحها على كل مصلحة أخرى، أميركية أو عربية.
الرئيس اوباما تكلم عن حرية الكلام كحق عالمي، وليس حقاً أميركياً أو غربياً، أكثر من أي موضوع آخر في خطابه، والأميركيون يقولون «احذرْ من أن تحصل على ما تتمنى»، فأنتظر أن يصدقه الرئيس المصري ويُسمِعَه، على أساس حرية الكلام، ما يفضِّل الرئيس الأميركي ألاّ يسمع.
هو سيسمع، وسيرجئ أيَّ رد الى ما بعد انتخابات الرئاسة، وأنا أرجو أن يعود، لأن منافسه ميت رومني يروِّج لسياسات كارثية على أميركا والعرب والمسلمين.
( الحياة اللندنية )