الفكر اليوميّ

تم نشره الخميس 27 أيلول / سبتمبر 2012 01:06 مساءً
الفكر اليوميّ
سعود قبيلات

"نقد الفكر اليوميّ" كتاب مهمّ للمفكر الكبير الشهيد مهدي عامل، صدر بعد استشهاده. ويبدو أنَّه، بما عُرِف عنه مِنْ عمق شديد في التفكير، واجتهاد كبير في البحث عن الأفكار الجديدة المركَّبة، ونفورٍ من البديهيّات الساذجة والمواضعات البليدة، قد اُستُفزَّ ممَّا كان يراه متداولاً، في زمانه، مِنْ أفكارٍ سطحيَّة تافهة، وما كانت تلقاه تلك الأفكار مِنْ رواج كبير في وسائل الإعلام، وقبول واسع بين الناس.
 والفكر اليوميّ، كما شخَّصه مهدي عامل، في كتابه ذاك، يتَّسم بأنَّه:
 1. لا يحبّ التعقيد؛ لأنَّه يرهقه. لذلك، فإنَّه يميل إلى الاختزال والتبسيط والبداهة، ويتجنَّب الاقتراب من المفاهيم في حال تعبيرها عن الحركة والتناقضات.
 2. يكره التحليل والفهم والوعي، ويحقد على العقل وكلّ معرفة وفكر. إنَّه فكر تجريبي يقول "بضرورة ترك الكلام للوقائع، أو الأحداث، نفسها، حتَّى تنطق بلغتها التي هي لغة تراكمها اليوميّ، مِنْ دون توسُّط من الفكر أو مِنْ أدواته....".
 3. يتجنَّب الوضوح لأنَّه لا مصلحة له به.
 4. يشنّ هجوماً مركَّزاً على العقل العلميّ في التاريخ والاقتصاد والسياسة، وفي الفكر أيضاً والكتابة، باسم الخصوصيَّة أو تفاصيل الحياة، أو المعاش، أو الجزئيّ، أو المصادفة والاحتمال.. الخ.
 5. يتجاهل علاقات التناقض بين المصالح المختلفة، أو المواقع المختلفة؛ فيتعامل معها كما لو كانت علاقات تماثل، مع أنَّه يعترف بالتناقض بين الأفكار، ولكن "حتَّى التناقض هذا ليس فعليّاً، لأنَّه تناقض مجرَّد، يقوم بالفكر وحده، ويزول بالفكر وفي الفكر أيضاً، في تصالح النقيضين في الفكرة المطلقة". ويصطنع، بدلاً مِنْ ذلك، نقائض زائفة بين مصالح ومواقع لا أساس حقيقّياً لها.
 6. تنقصه الشجاعة والمصلحة، لمواجهة الواقع، كما هو بدون تزييف أو تزويرٍ؛ لذلك، فإنَّ الخطابة تقوم فيه مقام البحث والتحليل. وعندما يحاول أن يحلِّل الأفكار والظواهر يرتبك؛ بسبب جهله بمعاني المصطلحات والمفاهيم؛ ما يجعله يستعملها بغير دقَّة ووضوح، أو بما يغاير مضامينها الحقيقيَّة.
 7. يتَّسم بالخفَّة والارتباك وعدم الاتِّساق والتناقض ويفتقر إلى الدقَّة والصرامة والوضوح.
 8. ينبهر بالأحداث الكبيرة انبهاراً يشلّ قدرته على التحليل؛ فيميل مع الحدث كيفما يميل، ولا يحلِّل، بل يؤكِّد، لأنَّه في عجلة مِنْ أمره.
 9. يشخصن ما لا يُشخصن ويجوهر ما لا يُجوهر.
 10. غيبيّ؛ يغيِّب التاريخ ويقيم الصراع بين ثنائيَّة الخير والشر.
 والفكر اليوميّ، الآن، يشترك مع الفكر اليوميّ الذي كان سائداً أيَّام مهدي عامل بالكثير من الملامح والسمات، لكنَّه أكثر منه انحداراً وأكثر ضحالةً وفقراً؛ فآنذاك، كان العالم، لا يزال يملك مشروعاً أمميّاً مناهضاً للرأسماليَّة والإمبرياليَّة. وهذا المشروع كان يملك فكراً ثوريّاً منتجاً، ومِنْ ضمن رموزه، في ذلك الوقت، مهدي عامل، نفسه، بمشروعه الفكريّ الشموليّ والعميق. في حين كان مشروع الليبراليَّة الجديدة (بالأحرى، الرأسماليَّة المتوحِّشة)، في بداياته، وكان يواجه مقاومة وصدوداً، وأصحابه يروِّجونه بحذرٍ شديد وعلى استحياء، ويتستَّرون على خططهم ومشاريعهم في هذا المجال.
 أمَّا الآن، فنحن نشهد وقائع فشل مشروع الليبراليَّة الجديدة، بعدما خرَّب ودمَّر على نطاق واسع في الكرة الأرضيَّة كلِّها، وولَّد من الحروب والصراعات الدمويَّة ما لم يشهده عصر مِنْ قبل، وأفقر وجوَّع جموعاً هائلة من البشر؛ وفي مقدِّمة ضحاياه، الوعي والفكر؛ بل، أيضاً، الفنّ والأدب، وكذلك، السياسة، نظريَّةً وممارسة.
 الفكر اليوميّ، الآن، فكر نمطيّ فقير، تصنعه الوجبات الإعلاميَّة السريعة، والكسل الذهنيّ الشديد، والمصالح الطبقيَّة (والاستعماريَّة) الجشعة التي لا يبرِّرها أيّ منطقٍ إنسانيّ سليم، والسياسات الانتهازيَّة بمناوراتها الهابطة والرخيصة، ومثقَّفو "الشنطة" الذين يحترفون بيع "الأفكار" وتأجيرها بالقطعة وحسب الطلب. إنَّه فكر الهزيمة، والاستخذاء، والركوع الذليل لشروط الأعداء، والبحث البهيميّ عن مكاسب صغيرة مغمَّسة بالخنوع والوضاعة، وسط الخراب والدمار ومصادرة مستقبل الأمّة والتفريط بحقوقها ومصالحها. لذلك، فهو فكر تبريريّ، ضحل، يغيِّب الجوهريّ في الصراع ويبرز الفروع والتفاصيل، ويطالب بتعطيل التحليل والتفكير والنظر البعيد، داعياً إلى الانهماك، بدلاً مِنْ ذلك، بمتابعة اليوميّ والتفصيليّ. تأخذه العزَّة بالجهل، ويكرِّر المقولات السطحيَّة الفارغة بلا ملل؛ لأنَّه لا يملك غيرها. 0 العرب اليوم 9



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات