وداع في آخر " ستون دقيقة "

جردة الحساب التي قدمها رئيس الوزراء في مقابلة مسجلة للتلفزيون الاردني في برنامج "ستون دقيقة"، تشبة حفل التأبين في وداع الشخصيات البارزة.
الشيء الوحيد المختلف أن رئيس الوزراء شارك في الحفل، وفي العادة، فإن شخصيات اخرى تطرز الخطابات في مدح "الفقيد"، الذي تعلو صورته واجهة الاحتفال.
مقابلة وداعية بكل معنى الكلمة، وعلى ما يبدو الاخيرة التي سوف يظهر فيها الطراونة على شاشة التلفزيون، بانتظار استقالة حكومته المتوقعة خلال اسبوعين، وبعد ذلك يظهر في الصورة الوداعية مثل كل الحكومات المستقيلة.
في المقابلة، ظهر الطراونة مدافعا عن انجازات الحكومة، وهي "انجازات لا تخفى على الاردنيين كلهم "، ويرفعون لها القبعات، ويتحدثون عنها في مجالسهم، وكيف انقذ الطراونة وحكومته البلاد والعباد من الهلاك.
تحدث عن الازمة المالية، والدينار، وسرد الانجازات العديدة التي قامت بها حكومته، ولولاها لهبط الدينار، وارتفعت الاسعار، وتدمرت الموازنة، وشحدنا الرواتب، وانقطعت عنا الكهرباء، بعد أن انقذنا بالغاز المسال.
تحدث في الجانب السياسي والاجرائي في الانتخابات، وكأنها لعبة ارقام ومواعيد هلامية، لا احد يدري ماذا سيحدث غدا.
تحدث في كل شيء، بدءا من الحوار مع القوى السياسية، الى انجازات ازالة البسطات، لكنه لم يتحدث في المفاصل الرئيسية:
لم يتحدث عن قانون الانتخاب الاشكالي الذي خلصت له الحياة السياسية، وكان بالامكان ايجاد قانون افضل بكثير، بعد ان منح رأس الدولة فرصة لتطوير القائمة الوطنية وتعزيز مفهومها.
تناسا قانون المطبوعات، والشرخ الذي احدثه في بنيان الجسم الاعلامي والسياسي، واقل ما يقال نحوه أن الوقت غير مناسب له ابدا، فنحن على ابواب انتخابات، ومن المصلحة العليا أن يتم تحشيد كل الطاقات الاعلامية والسياسية والحزبية من أجل انجاح الانتخابات المقبلة، والخلاص من وصمات الانتخابات المزورة.
لم يتطرق الى رفع الاسعار الذي اتخذته حكومته، ومدت يدها في جيوب المواطنين، اكثر من مرة، وهي تعرف أن الاوضاع المعيشية في غاية الصعوبة والبؤس.
غفل عن وجود حالة احتقان في الشارع، ومطالبة بتهدئة الاجواء العامة من خلال الافراج عن الموقوفين على خلفية المسيرات والشعارات المتطرفة.
لم يُعرِّج على سلسلة التعيينات التي قررتها حكومته، واوقفتها المراجع العليا بعد أن خلقت اجواء بائسة في تقويمها، ومنحت الاصوات المعارضة فرصة تأكيد مقولاتها، بإن لا شيء تغير، "اسيادكم في الجاهلية اسيادكم في الاسلام".
لم يدافع عن إغفال وضع قانون الضمان الاجتماعي على جدول اعمال استثنائية النواب، مع انه قانون مصيري لكل الاردنيين، ولم يشرح لماذا ساهمت الحكومة مع اطراف نيابية في اسقاط مشروع قانون المالكين والمستأجرين من خلال إفشال عقد آخر اربع جلسات للبرلمان.
في حفلات التأبين دائما تُتلى خصال المتوفى الحميدة، وهذا ما حاول الطراونة تقديمه في الوداع الاخير لحكومته في "ستون دقيقة"، أما الكبائر فتترك للجمهور يتحدث فيها وهو يخرج من القاعة.
( العرب اليوم )