استرجل بنصف دينار !!

قال العرب القدماء في حقبة ما قبل الموبايل والانترنت والفيس بوك والعولمة وحلف الناتو: اذا لم تخجل فافعل ما شئت، وذهب الروس قبل ماركس الى ما هو أبعد حين قال واحد من أهم كتابهم وهو ديستويفسكي.. ان لم يكن الضمير موجوداً فكل شيء مباح ومتاح.. وفي عصر الاستهلاك الذي تحول فيه كل شيء الى سلعة.. انتهك الاعلام أعز ما في الموروث البشري، بدءاً من جمهورية افلاطون التي يقدمها اعلان حديث متلفز على أنها خائفة ولا تطاق، ليس لأي سبب فكري أو فلسفي، بل لأنها تخلو من نوع معين من مكيفات الهواء، هذا اضافة الى سلالة من الاعلانات احترفت انتهاك الأنوثة واستخدام النساء ومنهن الأطفال ايضاً في إعلانات مثيرة للغثيان.
أما آخر ما تفتق عنه ذهن المعلن الرأسمالي فهو اعلان عن الرجولة، فاذا شئت ان تسترجل وأنت تشكو من الجبن والخجل الأنثوي ونقصان الفحولة فما عليك الا ان تتناول شراباً ثمنه أقل من دولار واحد وربما أقل من نصف دينار، وعنوان الاعلان هو استرجل.. لهذا ما إن يشرب الرجل الأشبه بالخنثى زجاجة صغيرة من هذا الشراب السحري حتى ينبت له شاربان في أقل من ثانية واحدة، وتنتصب قامته ويخشوشن صوته.
وفي الزمن الذي شحت فيه منظومة القيم كلها وباع الابن أمه في مزاد وأخذ الابن دية أبيه الشهيد ثلاجة أو مكنسة يصبح الحل سهلاً، فنستعيد رجولتنا المستباحة بأقل من دولار وهذا هو سعر أغلى شيء مفقود في أيامنا!
ما الذي بقي خارج البورصات والمزادات السرية والعلنية والاستباحة والاغتصاب في حياتنا بعد أن أصبح الخجل من مقتنيات المتاحف؟
لكن لماذا نتعجب حين يكون ثمن الرجولة أقل من دولار وهو ربع لتر من شراب لا علاقة له باكسير الحياة وربما كان من ماء الوجه ولا شيء آخر.
والزمن الذي تروج فيه اعلانات عن استعادة العذرية بأغشية صينية لا يتجاوز سعرها العشرة دولارات يجب أن يكون سعر الرجولة فيه أقل من دولار..
ولا بد أن الناس جميعاً لاحظوا تلك اليافطات التي ترفع على أبواب حوانيت ويصحبها صوت مسجل يقول كل شيء بدينار بحيث تشمل هذه التسعيرة الباعة والزبائن والضمير والدماغ.. ما دام كل شيء وبلا استثناء بدينار واحد!
رحم الله جدتي الحاجة فريزة التي لم تدخل المدرسة ولم تتخرج من جامعة ولم تستخدم الموبايل ولم تذهب الى الكوافير حين كانت تقول لأحفادها قبل أكثر من نصف قرن: الدراهم كالبراهم عملت للنذل مقدار، بعد ما كان اسمه بكيكير صار اسمه الحاج بكار..
هل نقول بعد ذلك ان تبقى لنا ما نقول ان ثلث مليار عربي سوف يستعيدون رجولتهم اذا شربوا من ذلك السائل السحري المتلفز؟
ما أرخص الثمن، انه أقل من سعر طائرة أو حتى دبابة..
فيا أيها العرب استرجلوا.. لكن تذكروا ما قاله اسلافكم في الصحراء عن الجمل عندما استنوق!!!
( الدستور )