«3» تصورات للتعامل مع مسيرة « انقاذ الوطن »

فيما يستعد الإخوان المسلمون وحلفاؤهم في الحراكات الشعبية لاطلاق “مسيرة الـ 150 الف” يوم الجمعة القادمة، ترصد جهات داخلية وخارجية هذا الحدث بكثير من الحذر والاهتمام.
سؤال نجاح المسيرة يبدو “اشكاليا” فثمة من يرى في هذا “الاحتشاد” استقواء على الدولة ولعبا في “النار” ومدعاة للفتنة، وبالتالي فان نجاحها وفق هذا السياق لن يصب في المصلحة العامة، وثمة من يرى ان هذه المسيرة تشكل “تحركا” سلميا ضاغطا باتجاه انتزاع المزيد من الاصلاحات، وان “ضمانات” الحفاظ على سلميتها وانضباطها موجودة ما دام ان “الإخوان” التزموا امام الجميع بذلك وبالتالي فان نجاحها سيصب في المصلحة الوطنية.
حالة “الانقسام” هذه تجاه “المسيرة” تبدو نسخة اخرى لحالة الانقسام التي يعاني منها مجتمعنا تجاه مسألة “الاصلاح”، كما انها تعبر عن انسداد ابواب الحوار والتفاهم بين “الفاعلين” في الحقل السياسي، وتعكس حجم الاختلاف حول جدوى الذهاب الى “انتخابات” برلمانية وسط مثل هذه المناخات الملبدة بالشكوك والمخاوف وغياب اليقين السياسي.
ثمة ثلاثة تصورات للتعامل مع “المسيرة الحاشدة”، احدها استباقي يحاول تطويقها وافشالها في المهد، ويعتقد من يتبنى مثل هذه الرؤية ان “المشاركين” لن يتجاوز عددهم عشرة الاف، وانه يمكن اتخاذ ما يلزم من اجراءات لضمان ابقاء المشاركة محصورة في الاخوان وبعض الحراكات بحيث تكون “شبيهة” بآلاف المسيرات التي خرجت واستمرت ساعة او ساعتين ثم انتهت، اما التصور الثاني فيطرح اصحابه ضرورة التصدي لهذه المسيرة “بالقانون” وبالردع الامني، تماما كما حصل مع اعتصام دوار الداخلية، وحجة هؤلاء ان “الحدث” سيكون بداية لمرحلة حاسمة لا يجوز التهاون معها، كما ان “امكانيات” حدوث صدامات بين المشاركين ستكون واردة.. وبالتالي لا يجوز فتح “الباب” امام مسيرات اخرى قد يتصاعد اعداد المشاركين فيها لا سيما واننا مقبلون على انتخابات تحتاج الى مناخات هادئة ومستقرة.
التصور الثالث يعتمد منطق “الاحتواء” والاستيعاب، ويرى دعاته ان حجم المسيرة مهما كبر لن يشكل خطرا على السلم الاهلي، بل على العكس يمكن استثماره داخليا وخارجيا لابراز صورة “الديمقراطية” الاردنية وسياسة الانفتاح ونموذج “اللاعنف” والحكمة، وقد تم تجريب هذا “الامن الناعم” في الشهور الماضية وثبت انه “الافضل” في التعامل مع احتجاجات الشارع ومطالبه.
على الطرف الاخر، يعتقد الإخوان المسلمون ان نجاحهم في حشد اكبر عدد من “المحتجين” سيكرس “زعامتهم” للشارع، وسيضغط على الرسمي لاعادة النظر في مطالب الحركة، وسيثبت بانهم قوة لا يستهان بها وان “بقاءهم” في الشارع مكلف سياسيا، فيما يرى “حلفاؤهم” من الناشطين ان “مشاركتهم” ستمنحهم مزيدا من القوة، وان اسنادهم للاخوان ليس اكثر من تقاطع “للمصالح” لان الزخم المحرك هو للاخوان بالدرجة الاولى، وانكسارهم يعني انتصار التيار المحافظ الرافض لعملية الاصلاح برمتها.
بين الطرفين يقف “المجتمع” بأغلبيته “متفرجا” وحذرا مما يجري فهو يريد من جهة ان يرى اصلاحات حقيقية تضمن امن المجتمع وسلامته وتعيد اليه “الامل” بالمستقبل، وهو من طرف آخر يخشى من “الصدام” ومن تداعيات مثل هذه الاحتشادات التي يصعب السيطرة عليها..
لكن ثمة سؤال: الا يوجد “طريق” ثالث يمكن ان نتوافق عليه للخروج من هذه “الازمات” والاحتقانات؟ واذا كان موجودا فمن هو “المؤهل” القادر على الذهاب اليه؟ وعلى اخذ زمام المبادرة التي تضعنا جميعا على سكة السلامة؟ لا ادري.
( الدستور )