مسيرة وطن واحد.. لا عبسٌ ولا ذبيان..!
مستغرب حدّ الدهشة والذهول، أن تسير الأمور في الوطن على نحو ينذر بالويل والثبور، ولا أحد من أبناء العمومة يحرك ساكناً ذوداً عن حق العشيرة الأردنية الواحدة في العيش الآمن، والحياة الهادئة، بدلاً من هذا التصعيد الأهوج، وإذكاء الفتن ما ظهر منها وما بطن، وكأنّ الساحة أصبحت مجالاً مفتوحاً لسباق داحس والغبراء، ومناكفات عبس وذبيان..! ومنْ يظن نفسه سينتصر على أخيه أو ابن عمه واهم، وما سيظفر به من نفوذ أو يشعر به من نشوة انتصار وغلبة مجرد أحلام وأوهام، فالحقيقة الماثلة لدينا أن في العشيرة من يميّز بين الأبيض والأسود، وهذا يكفي ضماناً للحق ودرءاً للفتنة..!!
أيها الأردنيون من مشرق الأردن إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه، هل أذكّركم بداحس والغبراء..؟ أما مَنْ امتلك داحساً فهو قيس بن زهير من قبيلة عبس، وأما صاحب الغبراء فهو حمل بين بدر من قبيلة ذبيان، وقد اشتعلت نار الفتنة بين قبيلتي عبس وذبيان على الرغم من أنهما أبناء عمومة، لمدة أربعين عاماً، فقط لأن الفرس "الغبراء " سبقت داحساً "الحصان " غدراً، فأريقت أنهر من الدماء بين القبيلتين..!!
دعوكم من السباق أيها الأردنيون، فأنتم لا تحتاجونه، ومنْ أراد أن يقول بأنه قادر على الغلبة والرهان والجمع الأكبر، فلا يراهن إلاّ على ما يحقق مصالح الوطن وإنقاذ الوطن من الفتنة والنوائب والأزمات، وليس بخافٍ على أحد، كم نغرق اليوم في معضلات وأزمات وكُرَب ليس لها من دون الله كاشفة، والسؤآل محور الدهشة: لماذا السباق، ولماذا الرهان وعلى ماذا..؟! ثم لماذا المسيرتان في يوم واحد..؟! ألم يكن من الأفضل، إذا كان لا بد منهما، أن تكون إحداهما في جُمُعة، والأخرى في الجُمُعة التالية..؟!
ليس من المنطق ولا من المقبول أن نُدخِل الوطن في نفق سباقات خاسرة، ورهانات خاسرة، وما سباق داحس والغبراء، الذي نحاول اليوم محاكاته، واسترجاع مآسيه، إلا صدام مع الوطن ومصالحه وعشيرته والواحدة..! فدعونا أيها السادة نسمو على الصغائر، ونترفع عن الترهات، ولتكن عصبيتنا للدين والوطن والإنسان، وليس لأي أمر آخر..!
أيها الأردنيون، ليس هذا وقت تمايز وتنابز، وإنما هو وقت بناء وإنجاز، وحدة والتحام، ولتكن لنا عبرة فيما قاله الشاعر النابغة الذبياني محذّراً عبس وذبيان من عواقب احتكاك مجنون لا تحمد عقباه:
أبلغ بني ذبيان أن لا أخالهم بعبس إذا حلّوا الدماخ فأظلما
بجمع كلون الأعبل الجون لونه ترى في نواحيه زهيرَ وخيزما
هم يردون الموت عند لقائه إذا كان ورد الموت لا بد أكرما
وسلام على الوطن وسلام على الأردنيين..