الإخوان ... والحاضنة
الضجيج الإعلامي الذي تثيره أجهزة الدولة وحلفاؤها ومناصريها والأبواق المدافعة عنها بكل الحالات حول مسيرة الجمعة الإخوانية ، ضجيج مزعج ومستهجن ، حتى لا نقول أكثر...!
ألم تكن الدولة هي التي سحبت تراخيص كل الأحزاب السياسية على الساحة الأردنية وأعلنت الأحكام العرفية عام 1957 ؟ ثم تلا ذلك حملات الاعتقال والنفي إلى "منتجع " الجفر الذي قضى فيه العديد من المناضلين السياسيين عقداً من السنوات ، وبعضهم أكثر!
إلا الأخوان ، فقد اعتبرتهم الدولة "جمعية خيرية " واجلستهم في حضنها ، تحميهم وتدللهم وتدافع عنهم ، وتمنع الآخرين ، كل الآخرين من فتح أفواههم إلا عند طبيب الأسنان !
استمر هذا الحال اثنين وثلاثين عاماً طويلة ، عانى فيها أصحاب الاتجاهات القومية واليسارية وحتى الدينية التي لا تتوافق مع رؤية الإخوان ، معاناة رهيبة ، بدءاً بحرمانهم من الوظائف الحكومية وحتى الشركات الخاصة لعدم حصول أكثريتهم على "شهادة حسن سلوك " من دائرة المخابرات العامة ! وإنتهاءاً بالسجن والإقصاء.
وسط هذه الأجواء ، نشأت أجيال غير مسيسة ، بل وتنظر إلى الحزبية والنشاط السياسي نظرات الشك والريبة .... والخوف من المساءلة.
ما أدى الى تنامي قوة الإخوان ، وزيادة أعدادهم ، ثم ظهور جبهة العمل الإسلامي وقنواتها السياسية والخيرية .... بإختصار شديد ، كبر الإخوان واشتد عودهم .
حتى الطفرة القصيرة من التغاضي عن النشاط السياسي والفدائي بعد معركة الكرامة عام 1968 لم تؤد إلى عودة العمل الحزبي والسياسي .
فلما اعادته الدولة عام 1989 ، جاء رد الفعل الشعبي خائفاً متردداً ، بل غير واثق : فماذا اذا انضم مواطن ما الى حزب يقتنع به ، ثم استدارت الدولة واعادت الغاءه ؟ ألم تفعلها في السابق ؟
لقد استغرق الوصول الى الحالة التي نعيشها ونراها اليوم من النشاط السياسي وتنامي الجرأة في القول والعمل ، قرابة اثنين وعشرين عاماً ، ولنعترف أن للربيع العربي دورمهم في هذا النشاط.
نأتي إلى الوضع الحالي : الدولة التي رعت الإخوان حتى بلغوا أشدهم ، نفس الدولة ونفس العقيدة السياسية رغم تغير الأشخاص – بسبب طول الفترة – هذه الدولة لم تعد تحسن الحوار مع الإخوان ، لماذا ؟ لأنها – وهذا رأي شخصي – تريدهم مطواعين شاكرين حامدين.
تغير الزمان يا دولتنا العزيزة : صحيح أن إصرار الإخوان على التعديلات الدستورية فيه قدر كبير من العناد غير المبرر لجهة دقة المرحلة وصعوبة التنفيذ لضيق الوقت ، لكن رهاب الدولة وإجفالها غير مفهوم ولا مقبول ، ورغبتها في استعادة السيطرة قد طواها الزمن.
يحتاج الفريقان إلى جلسة مراجعة ومكاشفة ، فهما معروفان أحدهما للآخر ، ولا مجال هنا للتورية والخداع ، ويكفي ما عاناه الوطن من توتر وقلق ... إلى درجة التخوف.
ولأن استمرار هذا الوضع يفتح شهية أصحاب الأجندات الخاصة ، الذين لا يريدون الخير للأردن ، على النفخ في الرماد وتأجيج المشاعر ، تمهيداً لما لا تحمد عقباه ، والشواهد حولنا كثيرة.