خسارة الأخوان المسلمين

خسر الأخوان المسلمين ، معركة كسر الأرادات ، حينما وضعوا أنفسهم في مواجهة كافة الأطراف السياسية الفاعلة في بلادنا ، في مواجهة الحكومة والقوى المحافظة التقليدية ، وقوى المعارضة اليسارية والقومية ، والشخصيات المستقلة برئاسة أحمد عبيدات ، وقوى الحراك الشعبي ، والنقابات المهنية .
خسر الأخوان المسلمين ، معركة المواجهة ، حتى ولو سببوا الأذى لخصومهم ولحلفائهم ، وهم مثل المانيا النازية ، التي سببت الأذى لأعدائها في الحرب العالمية الثانية ، وهم بلدان التحالف الأربعة في ذلك الوقت : الأتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ، مثلما سببت الأذى لنفسها ولحلفائها بلدان المحور الثلاثة ( المانيا ) ولكل من إيطاليا واليابان ، وخسرت الحرب ، ودمرت نفسها ومن حولها .
الأخوان المسلمون خسروا معركة المواجهة مع الأخرين ، لأنهم خاضوا المعركة لوحدهم ، بمعزل عن تعاطف وإسناد حلفائهم من القوى اليسارية والقومية ، والنقابات المهنية وأحمد عبيدات وجماعته من الشخصيات المستقلة ، ناهيك عن قوى الحراك الشبابي والشعبي ، لقد تصرف الأخوان المسلمين مثل الطائر الذي يذهب إلى المصيدة المنصوبة له بيديه ورجليه ، فذهبوا بلا غطاء أو سند ، نتيجة الغرور الذي صابهم ، معتمدين على عوامل توهموا أنها تصب لصالحهم ، او تصب في مجرى إنتصارهم ، وحقيقة الوضع أن عوامل صنع الحدث السياسي في عالمنا العربي لا تسير لصالحهم ، بل بالعكس ، لقد أدت العوامل التي صنعت ظهورهم ونجاحهم ، في مصر وليبيا وتونس والمغرب ، إلى أدوات ضاغطة عليهم ، وتحولت بدلاً من أن تكون روافع لهم في البلدان الأخرى التي يقودون المعارضة فيها كالأردن وسوريا واليمن والكويت وغيرها ، إلى عوامل محبطة أمام الجمهور الأردني ، الذي يسعون إليه ويعتمدون عليه .
لقد راهن الأخوان المسلين عندنا على عدة عوامل إقليمية محيطة بنا ، يمكن تلخيصها كما يلي :
أولاً : راهن الأخوان المسلمين على إنتصار الثورة السورية بقيادة المجلس الوطني وعموده الفقري حركة الأخوان المسلمين السورية وجيش سوريا الحر ، ولكن " الأخوان " لم يفهموا مغزى توقف حركة قطار ثورة الربيع العربي في المحطة السورية ، وثباته وجموده فيها ، وعدم قدرته على تحقيق نتائج تُلبي الأنتصار وتحققه على نظام حزب البعث وعلى الرئيس بشار الأسد ، وبذلك يعني ، أن توقف قطار الربيع العربي في المحطة السورية هو إنتكاسه للربيع العربي ، وتراجع فعالياته ، لأن الربيع السوري لم يتجاوب مع مجريات الثورة في تونس ومصر ونتائجها ، مثلما لم يتجاوب مع تجربة التسوية اليمنية ، ولم تسمح بنقل التجربة الليبية لسوريا لعدم توفر الغطاء الدولي للتدخل العسكري الأميركي الأوروبي كما حصل في تجربتي العراق وليبيا ، والذي منعه الفيتو الروسي الصيني ، ولذلك سوريا في حالة نزيف بسبب الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة ، يدفع ثمنه الشعب السوري وغير متوقع إنتصار طرف على الأخر بسبب الضخ المالي والسياسي للطرفين من أطراف إقليمية ودولية متكافئة .
نتائج الربيع العربي في محطته السورية ، إنتكاسة للإخوان المسلمين وهزيمة لهم ، إلى الأن .
ثانياً : وراهنت حركة الأخوان المسلمين ، عندنا ، على نتائج التفاهم الأميركي مع المرشد العام ومكتب الأرشاد ، وعلى نتائج الأنتصار الذي حققه الأخوان المسلمين في مصر ، وليبيا وتونس والمغرب ، ولكن نتيجة هذا التفاهم ، لا يصب في مصلحة الأخوان المسلمين وسمعتهم ومبادئهم ، فقد جاء التفاهم الأميركي مع الأخوان المسلمين ، ليحمي كامب ديفيد ثمناً للمساعدات المالية الأميركية للمؤسستين المدنية والعسكرية المصرية ، وللحصول على منحة أميركية لشطب مليار دولار مستحقة لواشنطن على القاهرة ، وثمناً لطلب القاهرة في الحصول على قرض من البنك الدولي قيمته 4.6 مليار دولار ، ولذلك يسعى المرشد العام لحماية ما تحقق من نتائج إنتخابية لصالح الأخوان المسلمين في مصر ، ويسعون للحفاظ على ما تحقق وهم مقبلون على معركة الأنتخابات البرلمانية ( إنتخابات الأعادة بعد حل البرلمان ) ومقبلون على معركة رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع مقابل الحصول على القرض من البنك الدولي ، ولهذه القضايا الأولوية لما عداه من إهتمامات ، وهي تصب في كشف الأخوان المسلمين وتعريتهم كحزب سياسي مثله مثل باقي الأحزاب ويقع أسيراً للواقع السياسي والأقتصادي الصعب ، ولا يتميز عن غيره لا في الغطاء ولا في محاولات حل المشاكل .
ثالثاً : راهن الأخوان المسلمون عندنا ، على فك الحصار عن حركة حماس وتوليها زمام المبادرة في مواصلة إدارة قطاع غزة منفردة وتراجع مكانة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية لصالح حماس ، بعد إنتصار الأخوان المسلمين في الأغلبية البرلمانية ونجاح محمد مرسي في الفوز بمقعد الرئاسة المصرية .
وقد تبين أن مصر الأخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي ، عاجزة عن تلبية تطلعات حركة حماس وأن القيود المكبلة للسياسة المصرية عبر كامب ديفيد وللإقتصاد المصري عبر الأتفاقات والحاجة للمساعدات هي الأقوى في القرار السياسي المصري برئاسة محمد مرسي ، وإدارة الأخوان المسلمين .
عوامل الرهان الثلاثة لدى قادة الأخوان المسلمين ، لم تكن في محلها ، بل إن العوامل الثلاثة السورية ، والتفاهم مع الأميركيين في مصر ، وعدم قدرة حماس على كسر إتفاقات كامب ديفيد وأوسلو وإتفاق باريس ، يصب في مصلحة إضعاف حركة الأخوان المسلمين عندنا ، ناهيك عن روح المغامرة والتطرف التي دفعتهم لخسارة الحلفاء .
خسر الأخوان المسلمين ، رهانهم على عوامل القوة التي توهموا أنها بحوزتهم ، وذلك لأن عوامل القوة هذه ، بدلاً من أن تكون رافعة بيدهم تحولت كي تكون أداة ضاغطة عليهم ، مما أفقدهم بوصلة تحركهم ، فتحركوا منفردين معزولين عن أقرب حلفاء لهم في الجبهة الوطنية للإصلاح وهم 1- الأحزاب القومية واليسارية 2- النقابات المهنية 3- الشخصيات المستقلة برئاسة أحمد عبيدات .
لقد راهنوا على عوامل إقليمية لم تتم لصالحهم ، وقللوا من مكانة الأخرين في أحزاب التيار القومي اليساري ، ولدى النقابات المهنية ومكانة أحمد عبيدات ، وراهنوا على قوتهم الأنفرادية ، مثلهم مثل حركة حماس في قطاع غزة ، فخسروا ولم يفلحوا ، وأصبحوا أسرى شعاراتهم الحزبية ، وأسرى إنكفائهم عن الأخرين ، معتقدين أن موقف الصواب وحده إذا توفر له الصواب ، يمكن أن يؤدي إلى الأنتصار بمعزل عن الحلفاء مهما كانوا متواضعين .
لقد نظر الأخوان المسلمين ، بإستهتار لدور وقيمة أحزاب المعارضة والنقابات المهنية والشخصيات المستقلة الذين رفضوا الأنصياع أو إمتنعوا عن الأستجابة لقرارات الأخوان المسلمين وتوجهاتهم ، وهكذا خسروا حلفاءهم الثلاثة في معسكر المعارضة .