الاحتكام الى «الارقام» لعبة خطيرة

تم نشره الإثنين 08 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 01:08 صباحاً
الاحتكام الى «الارقام» لعبة خطيرة
حسين الرواشدة

من المفارقات ان الذين انشغلوا “بلعبة” الارقام لتحديد نجاح او فشل مسيرة “انقاذ الوطن” توزعوا في اتجاهين انجرت اليهما الحركة الاسلامية ايضا: احدهما مثّله بعض المحسوبين على “اليسار” وهؤلاء ولو قيض لهم ينظموا مسيرة لما زاد عدد المشاركين فيها عن الف شخص، اما الاتجاه الاخر فمثله بعض قوى الشدّ العكسي، وهؤلاء اختزلوا مشروع الاصلاح في “حسابات” رقمية كما سبق ان اختزلوا “التنمية” والنمو بمؤشرات واحصائيات ثبت بأنها لم تكن صحيحة.

من المؤسف اننا انتقلنا من دائرة “الصراع على مضامين الاصلاح” الى دائرة “الاشتباك” على “الارقام”، خذ مثلا ما حصل في موسم “التسجيل” للانتخابات حيث وضع الجميع امامهم “عدّادا” خاصا بنوا عليه افتراضاتهم وطموحاتهم، لدرجة اننا اصبحنا “اسرى” لعملية حسابية مغشوشة، والاخطر من ذلك ان ثمة من اعتبرها “معيارا” للتصويت على رضا الناس بما قدم من اصلاحات فيما رأتها المعارضة “دليلا” على صوابية مواقفهم المقاطعة.

لا اشك –بالطبع- في صحة ما تقدمه لنا “الارقام” من مؤشرات ودلالات، هذا اذا كانت صحيحة ودقيقة، لكن ما حدث من شدّ وجذب بين الاطراف حوّل هذه “القمة” المفترضة الى ادارة غير مفهومة للصراع، وبالتالي افتقدنا الصدقية مثلما افتقدنا الهدف الاساسي والمضامين الحقيقية التي خرجت من اجلها “المسيرة” قررت من اجلها الانتخابات.

الاحتكام الى “لغة” الارقام يمكن ان يكون مفهوما في ظل مناخات سياسية هادئة، واحترام متبادل لعملية ديمقراطية حقيقية، لكنه في حالة انقسام المجتمع يبدو امرا “مفزعا” ومضرّا بالاطراف كلها، تصوّر مثلا ما شهدنا من “تحشيد” على الطرفين قبل مسيرة الجمعة، الم تكن “لعبة” الارقام هي الحاضر الوحيد ولو افترضنا –جدلا- بأن “العدد” وحده هو الفيصل في كلا الحالتين، فهل ستكون “احكامنا” على النتائج وفق “مسطرة” واحدة؟ وهل سنتحمل ما يترتب على مثل هذه الاحكام من “استحقاقات” سياسية خطيرة؟

يمكن –بالطبع- ان نفهم “سرّ” هجمة اخواننا في اليسار بالارقام على “مسيرة الاسلاميين حلفائهم” لا بدافع المقارنات بين رصيد ووزن كل منهما في الشارع، وهي مقارنات مكشوفة تماما، وانما ايضا بدافع الاحساس “بهزيمة” المشروع الذي يحملونه، وهو ان شئت الدقة “لا مشروع” لانه انتهى بالفشل منذ عقود، حين تقادم مع الباعث الحضاري للامة، وتعاند مع التاريخ ومع مصالح الناس ومشاعرهم ايضا.

لكن غير المفهوم هو محاولة البعض خلق حالة من “التحدي” بين الدولة وبعض مكوناتها، اذ لا يعقل ان نتصور بان حزبا او طرفا مهما كان حضوره في الشارع قادر على “كسر” يد الدولة، او الدخول في صراع معها، كما لا نفهم كيف يجرؤ البعض على اقحام الدولة في مثل هذه المعادلات الخطرة، في الوقت الذي يمكن فيه تصحيح الصورة بحيث تستثمر الدولة قوة مكوناتها وحضورهم، سواء لمعرفة حجم هذا الحضور لتحديد طريقة التعامل او التعاطي معه، او لتسويقه باعتباره انتصارا “لقدرة” الدولة على هضم ما يحدث فيها من تحولات، او باعتباره نموذجا لانفتاحها وديمقراطيتها ورغبتها في الاصلاح.

باختصار، ارجو ان نتجاوز مثل هذه “الاشتباكات” بالارقام، سواء من جهة الذين استخدموها او الذين انجروا اليها، وان نوجّه نقاشاتنا العامة الى مسألتين هامتين: احداهما البحث عن “مشتركات” موضوعية تعيد الى مجتمعنا لحمته ومتانته ووحدته، وخاصة بين “النخب” السياسية التي استمرأت لعبة الصراع، والمسألة الاخرى العمل على “اعلاء” قيمة الدولة كحاضنة للجميع، والتعامل مع مكوناتها بلغة القيمة و المصلحة، لا الارقام فقط، وبخطاب التسامي عن التفاصيل الى “الاولويات” والاهداف والمصالح العليا التي يتفق عليها الجميع.
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات