تقارير محايدة
تم نشره الثلاثاء 09 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 06:07 مساءً

د. رحيّل غرايبة
ما زالت تداعيات مسيرة (5/ 10) يوم الجمعة الفائت تتفاعل في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ أنّ هذه المسيرة شكلت حدثاً بارزاً على الصعيد المحلّي الأردني، ينبغي أن يدرس بطريقة علمية موضوعية، بعيداً عن السمة الرغائبية من جهة، وبعيداً عن العدائية الظالمة من جهةٍ أخرى.
قدرت التقارير الصادرة عن بعض الوكالات الإعلامية المحايدة التي رصدت الحدث أنّ المساحة تقدر بـ (20) ألف متر مربع، فإذا كانت حصرت المتر المربع الواحد بثلاثة أشخاص يكون العدد المقدر حوالي (60) ألف شخص، وبعضهم يعطي المتر المربع الواحد أربعة أشخاص في ظلّ الازدحام الموجود، فيصل العدد إلى (80) ألف شخص، وعلى كلّ حال لم يقل العدد وفقاً للتقديرات المحايدة عن (45) ألف شخص، فهذا العدد وفقاً للتقدير الأدنى يمثل حشداً تاريخياً لكل من يريد ملامسة الحقيقة.
أمّا عن خارج حسبة العدد، فقد وقفت التقارير بإعجاب حول مجموعة سمات بارزة للحشد، تسترعي الانتباه ودقة الملاحظة؛ الأولى تمثلت بحسن التنظيم والترتيب والإعداد، والحس العالي بالمسؤولية، والقوة التنظيمية التي استطاعت التعامل مع هذه الحشود على هذا النحو المميز، إذ لم يتم تسجيل مخالفات صارخة، ولم يحدث ما يعكر صفو الحدث، ولم يتمّ رصد أي تعارك أو احتكاك أو مشاحنة، ولم يتمّ سماع ألفاظ نابية، أو خادشة للحس العام.
الثانية تجلت بالحفاظ على الخطاب السياسي المتفق عليه شعبياً وسياسياً، وكانت الشعارات والهتافات تنتظم تحت سقف "الشعب يريد إصلاح النظام"، وكانت الكلمات الإحدى عشر أو تزيد، ولم يكن للحركة الإسلامية إلاّ كلمة واحدة فقط، كانت كلها تدور حول جوهر إصلاحي متسق يدور حول تحقيق مبدأ:"الشعب مصدر السلطات"، وهي مادة دستورية موجودة في صميم الدستور منذ عام (1952م) وهي محلّ اتفاق العقل العالمي، وكان هناك إجماع على سلمية الحراك وتدرجه، وإجماع على تجريم العنف واللجوء له، وكل ما يؤدي إلى سفك الدماء تحت أيّ ظرف من الظروف.
الثالثة التي استحوذت على إعجاب المراقبين والمحللين الأجانب، وكان لها دلالة عميقة بالغة الأثر رغم بساطتها، التي تجلت في بروز الحس المدني الحضاري الراقي لدى عامّة المحتشدين، عندما تمّ الإعلان عن ضرورة تنظيف المكان، فهرعت جموع الشباب للقيام بتجميع الأوراق وبقايا النفايات في أكياس بلاستيكية، لتعطي مؤشراً قوياً على حسّ الانتماء لهذا الوطن، وتعبر عن المستوى التربوي النفساني الذي تتمتع به هذه الشريحة الواسعة، البعيد عن الحقد الأعمى واللامبالاة والبعيد عن النهج الفوضوي.
أمّا النقطة الرابعة التي استرعت انتباه هذه الوكالات، هي القدرة على "الحشد" وما تتمتع به القوة المنظمة من شعبية جارفة واستجابة طوعية، رغم المعركة الإعلامية التي شنّها الخصوم المتمثلة بالتعبئة والتحريض والتشويه، وما أقدمت عليه بعض الأطراف من تخويف ورعب، عن طريق الاشاعات والتنبؤات بالصدام والفوضى والتخريب.
كما أنّ بعض الكتاب الأردنيين وقفوا على معنى بارز تمّ استخلاصه من هذا الحدث، وهو القدرة على التوافق والتعايش والتعاون في مثل هذه الظروف بين القوى السياسية والشعبية والحشود الجماهيرية من جهة، و الأطراف الرسمية المتمثلة برجال الأمن والدرك وكل الذين تحملوا مسؤولية تأمين المكان وحماية المتظاهرين، وتنظيم حركة السير والمشاة، على نحوٍ رائع، بعيد عن إثارة الكراهية والعداء وبعيد عن شحن النفوس المتبادل التي حاولت بعض الأطراف جاهدة في خلق هذا الاصطفاف المصطنع وهذه القسمة الظالمة.
الإصلاح مصلحة للشعب كله، والنظام، والقوى السياسية، ورجال الأمن والجيش والدرك بكلّ تأكيد، وعملية الإصلاح الحقيقي لا تضرّ إلا الفاسدين وزمرة الفاشلين الذين لا يجدون فرصتهم إلاّ في ظلّ الأوضاع الخطأ والمعايير المختلّة والحياة الراكدة الآسنة التي يُخوّن فيها الأمين، ويُؤمّن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة .
( العرب اليوم )