مرة أخرى عن «مرسي والسادات»
تم نشره الثلاثاء 09 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 06:17 مساءً

عريب الرنتاوي
حين كتبنا في هذه الزاوية تحت عنوان “مرسي على خطى السادات”، لم نكن نقصد أبداً أن الرجلين ينتميان للمدرسة السياسية ذاتها...كل ما عنيناه في حينه، أن كلاهما، جاءت به الصدفة و”الحظوظ” إلى الموقع الأول على رأس الهرم السياسي في بلدهما...وأنهما كانا الأضعف في سلسلة السلطة ومراكز القوى... وأن “الشرعية” منحت كل منهما، سيفاً بتاراَ، مكن الأول من الإطاحة بكل مراكز القوى وفرض نمط حكم فردي للبلاد، فيما تطورات ما بعد الانتخابات الرئاسية، منحت مرسي موقعاً “حاسماً” في مؤسسة صنع القرار المصري.
يومها، خرجت علينا تعليقات بعض القراء التي تأبى وضع الرجلين في سلة واحدة، حتى وإن تم ذلك من هذه الزاوية الضيقة، بعضهم قال: “حرام عليك، مقارنة ظالمة”...بعضهم الآخر استعاذ بالله من شيطان المقارنة الرجيم قائلاً: “فال الله ولا فالك”، إلى غير ما هنالك من مواقف مستكثرة ومستهجنة وشاجبة.
إلى أن شهدنا ما حصل في العيد التاسع والثلاثين لحرب أكتوبر، حين منح مرسى لاسم الرئيس الراحل أنور السادات قلادة النيل، لدوره في اتخاذ قرار الحرب، ضارباً صفحاً عن كل ما قالته الجماعة التي ينتمي إليها مرسي عن “دور السادات بالذات” في تقليص أهداف الحرب وتقييد حركة الجيوش المصرية ابتداءً، وفي توظيفها لاحقاً، لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، قالت فيها الجماعة، ما لم يقله مالك في الخمر، وجعلت من مهمة إسقاطها، قدس أقداس برامجها السياسية، الدعائية والدعوية، وعنواناً أبرز لحملاتها الانتخابية والتعبوية.
وجاءت “اللمسة الرئاسية الإنسانية”، حيال أرملة الرئيس وبناته، بمثابة استكمال “للرسالة” التي انطوت عليها “القلادة”، وهذا ما أدركت السيدة جيهان السادات مغزاه بدقة، حين قالت للرئيس الإخواني في معرض شكرها له: “ما بيصح إلا الصحيح”...والصحيح هنا هو الاعتراف بإرث السادات السياسي، بما فيه من صفقات ومعاهدات، والكف عن “شيطنته” وإعلان البراءة منه، وإطلاق الوعود بـ”تصفيته”.
وبالمقارنة مع موقف الرئيس مرسي من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، نذكر أن الرجل استهل خطاباته بهجوم على “الستينات وما أدراك ما الستينات”، وهو الموقف الذى أثار استياء الشارع المصري، ما دفع بمرسي لتعديل موقفه، وإن بخجل، في قمة عدم الانحياز، عندما أشاد بزعيم ثورة يوليو ودوره في إنشاء الحركة ودعم بعض دولها، تجسيداً لإرادة الشعب المصري.
قد يقول قائل، أن مرسي يتصرف كـ”رجل دولة”، يعمل بقاعدة استمرارية الحكم، وليس بنظرية “كلما دخلت أمة لعنت أختها”...لكن التدقيق في مواقف الرجل، وما تشف عنه من مشاعر وعواطف وانحيازات، يؤكد الحقيقة التالية: بين عبد الناصر والسادات، يبدو الرئيس المصري أقرب لـ”الرئيس المؤمن”...أما مواقف الجماعة من السادات وكامب ديفيد فقد استنفذت أغراضها في تقويض النظام القديم ونزع شرعيته، والمجيء بهم إلى السلطة، وهذه هي نهاية المطاف.
مثل هذه المآلات لمواقف جماعة الإخوان المسلمين من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، ليست جديدة، فقد حدث مثلها في فلسطين، فالإخوان التحقوا بالمقاومة متأخرين جداً (22 عاماً) وخرجوا منها مبكرين أيضاً، بعد عشرين عاماً، ولقد كانت “المقاومة” وسيلة فعالة في تقويض سلطة الرئيس الراحل ياسر عرفات، لكن ما أن آلت السلطة للإخوان، وعبر صناديق الاقتراع، حتى حلت “الهدنة” و”التهدئة” محل المقاومة، كاستراتيجية “أمر واقع” لا تحتاج إلى شرح أو تفسير أو تبرير.
في الأردن” قادت الحركة الإسلامية نضالات الشعب الأردني ضد “معاهدة وادي عربة”، وكانت محور “جبهة مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني”، ولم تبق تهمة إلا وكالتها لـ”سلطة عباس” ومن قبلها “سلطة أوسلو”...ونحن بانتظار وشوق، لمعرفة كيف ستكون مواقف الجماعة من هذه المعاهدة والتطبيع، فيما لو قُدر لها، أن تشكل “حكومتها البرلمانية”، وإن بعد عمر طويل.
خلاصة القول: أن المكون الوطني والقومي في خطاب الحركات الإسلامية، ومن ضمنها الإخوانية، ليس أصيلاً ولا عميقاً متجذراً....بل أنها نشأت في مواجهة هذا الخطاب وحملت على من يرفعون لواءه، واتهمتهم بشتى اتهامات “الزندقة” و”الخروج على الملة” وذلك قبل أن تشرع قبل عشر سنوات أو أكثر قليلاً، في نسج تحالفات جديدة مع اليسار والقوميين...الأمر الذي يبقي هذه الحركات، عرضة على الدوام، لانتكاسات من تلك التي قارفتها الجماعة الأم في مصر.
في الجدل التاريخي والجاري مع إسلاميي بلادنا، كان “الإسلام” يُقدم باستمرار بوصفه ضمانة “الموقف الجذري” من الصهيونية وإسرائيل والاستكبار العالمي...والحقيقة أن هذه الحجة لم تصمد طويلاً، في ظل وجود قراءات مختلفة للدين الحنيف، بعضها يقدم “بيشاور” و”قندهار” على “القدس” و”خليل الرحمن”، وبعضها الآخر يكفر “الخارجين على أولي الأمر”، وبعضها الثالث، امتهن إخضاع رسالة السماء لمقتضيات الأرض، ودائماً بالصرامة ذاتها، وللحديث تتمة.
( الدستور )
يومها، خرجت علينا تعليقات بعض القراء التي تأبى وضع الرجلين في سلة واحدة، حتى وإن تم ذلك من هذه الزاوية الضيقة، بعضهم قال: “حرام عليك، مقارنة ظالمة”...بعضهم الآخر استعاذ بالله من شيطان المقارنة الرجيم قائلاً: “فال الله ولا فالك”، إلى غير ما هنالك من مواقف مستكثرة ومستهجنة وشاجبة.
إلى أن شهدنا ما حصل في العيد التاسع والثلاثين لحرب أكتوبر، حين منح مرسى لاسم الرئيس الراحل أنور السادات قلادة النيل، لدوره في اتخاذ قرار الحرب، ضارباً صفحاً عن كل ما قالته الجماعة التي ينتمي إليها مرسي عن “دور السادات بالذات” في تقليص أهداف الحرب وتقييد حركة الجيوش المصرية ابتداءً، وفي توظيفها لاحقاً، لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، قالت فيها الجماعة، ما لم يقله مالك في الخمر، وجعلت من مهمة إسقاطها، قدس أقداس برامجها السياسية، الدعائية والدعوية، وعنواناً أبرز لحملاتها الانتخابية والتعبوية.
وجاءت “اللمسة الرئاسية الإنسانية”، حيال أرملة الرئيس وبناته، بمثابة استكمال “للرسالة” التي انطوت عليها “القلادة”، وهذا ما أدركت السيدة جيهان السادات مغزاه بدقة، حين قالت للرئيس الإخواني في معرض شكرها له: “ما بيصح إلا الصحيح”...والصحيح هنا هو الاعتراف بإرث السادات السياسي، بما فيه من صفقات ومعاهدات، والكف عن “شيطنته” وإعلان البراءة منه، وإطلاق الوعود بـ”تصفيته”.
وبالمقارنة مع موقف الرئيس مرسي من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، نذكر أن الرجل استهل خطاباته بهجوم على “الستينات وما أدراك ما الستينات”، وهو الموقف الذى أثار استياء الشارع المصري، ما دفع بمرسي لتعديل موقفه، وإن بخجل، في قمة عدم الانحياز، عندما أشاد بزعيم ثورة يوليو ودوره في إنشاء الحركة ودعم بعض دولها، تجسيداً لإرادة الشعب المصري.
قد يقول قائل، أن مرسي يتصرف كـ”رجل دولة”، يعمل بقاعدة استمرارية الحكم، وليس بنظرية “كلما دخلت أمة لعنت أختها”...لكن التدقيق في مواقف الرجل، وما تشف عنه من مشاعر وعواطف وانحيازات، يؤكد الحقيقة التالية: بين عبد الناصر والسادات، يبدو الرئيس المصري أقرب لـ”الرئيس المؤمن”...أما مواقف الجماعة من السادات وكامب ديفيد فقد استنفذت أغراضها في تقويض النظام القديم ونزع شرعيته، والمجيء بهم إلى السلطة، وهذه هي نهاية المطاف.
مثل هذه المآلات لمواقف جماعة الإخوان المسلمين من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، ليست جديدة، فقد حدث مثلها في فلسطين، فالإخوان التحقوا بالمقاومة متأخرين جداً (22 عاماً) وخرجوا منها مبكرين أيضاً، بعد عشرين عاماً، ولقد كانت “المقاومة” وسيلة فعالة في تقويض سلطة الرئيس الراحل ياسر عرفات، لكن ما أن آلت السلطة للإخوان، وعبر صناديق الاقتراع، حتى حلت “الهدنة” و”التهدئة” محل المقاومة، كاستراتيجية “أمر واقع” لا تحتاج إلى شرح أو تفسير أو تبرير.
في الأردن” قادت الحركة الإسلامية نضالات الشعب الأردني ضد “معاهدة وادي عربة”، وكانت محور “جبهة مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني”، ولم تبق تهمة إلا وكالتها لـ”سلطة عباس” ومن قبلها “سلطة أوسلو”...ونحن بانتظار وشوق، لمعرفة كيف ستكون مواقف الجماعة من هذه المعاهدة والتطبيع، فيما لو قُدر لها، أن تشكل “حكومتها البرلمانية”، وإن بعد عمر طويل.
خلاصة القول: أن المكون الوطني والقومي في خطاب الحركات الإسلامية، ومن ضمنها الإخوانية، ليس أصيلاً ولا عميقاً متجذراً....بل أنها نشأت في مواجهة هذا الخطاب وحملت على من يرفعون لواءه، واتهمتهم بشتى اتهامات “الزندقة” و”الخروج على الملة” وذلك قبل أن تشرع قبل عشر سنوات أو أكثر قليلاً، في نسج تحالفات جديدة مع اليسار والقوميين...الأمر الذي يبقي هذه الحركات، عرضة على الدوام، لانتكاسات من تلك التي قارفتها الجماعة الأم في مصر.
في الجدل التاريخي والجاري مع إسلاميي بلادنا، كان “الإسلام” يُقدم باستمرار بوصفه ضمانة “الموقف الجذري” من الصهيونية وإسرائيل والاستكبار العالمي...والحقيقة أن هذه الحجة لم تصمد طويلاً، في ظل وجود قراءات مختلفة للدين الحنيف، بعضها يقدم “بيشاور” و”قندهار” على “القدس” و”خليل الرحمن”، وبعضها الآخر يكفر “الخارجين على أولي الأمر”، وبعضها الثالث، امتهن إخضاع رسالة السماء لمقتضيات الأرض، ودائماً بالصرامة ذاتها، وللحديث تتمة.
( الدستور )