الشرع بدلا عن الأسد ... هل انتهت « الثورة » السورية ؟

الترحيب الذي قوبل به المقترح التركي بتولي نائب الرئيس فاروق الشرع إدارة مرحلة الانتقال في سوريا، من قبل أطراف واسعة في المعارضة المسلحة وبعض داعميها الإقليميين والدوليين، يعكس على ما يبدو، وصول هذه الأطراف إلى ما يشبه اليأس من إمكانية تغيير النظام، وجنوح بعضها للعمل بنظرية “ما لا يُدرك كله...لا يُترك جُله”، فيما بعضها الآخر، سيجادل في جدوى تقديم ثلاثين ألف شهيد من إجل استبدال الشرع الرئيس بنائبه؟!
حتى الآن، ما زلنا أمام “مقترح” عام وفضفاض...ثمة سيل من الأسئلة والتساؤلات التي تنتظر من يجيب عليها: من أين سيأتي الشرع بصلاحياته، من الرئيس أم من غيره؟...هل يتعين على الأسد أن يتنحى عن الحكم خلال مرحلة الانتقال، أم أنه سيكتفي بتفويض بعض أو كثير من صلاحياته لنائبه؟....كم هي الفترة التي سيبقى فيها الأسد في سدة الحكم، قبل أن يتنحى؟...هل سيعتزل العمل السياسي، أم أنه كنظيره اليمني، سيمارسه خارج القصر الجمهوري بعد التنحي؟....هل المطلوب تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة أم في موعدها، بمرشح انتقالي توافقي (على الطريقة اليمنية) أم في انتخابات تنافسية؟...هل سيُتاح للأسد خوضها أم سيطلب منه إعلان رسمي بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة؟
أسئلة وتساؤلات لم تشغل اهتمام الأوساط السياسية والدبلوماسية بعد، حتى تلك التي رحبت بالاقتراح التركي، ربما لأنها تشعر أن الحديث في المسألة السورية، قبل الانتخابات الأمريكية، هو ضرب من العبث واللعب في الوقت الضائع...وربما لأن الأطراف ذاتها، وهي تنظر بعين القلق للتجربة اليمنية الانتقالية، ليست شديدة الطمأنينة لإعادة إنتاجها في سوريا، فالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، مازال الرقم الأصعب في اليمن، وهو وعائلته وائتلاف العشائر والمليشيات التي تحيط به وتدعمه، نجحوا حتى الآن في تحويل الرئيس الإنتقالي إلى ما يشبه “الألعوبة” في أيديهم، ثم أن مشاكل اليمن، بعد “الانتقال” ازدادت تعقيداً عما كانت عليه قبله: حراكات الجنوب تزداد تعقيداً، الحوثيون يتلقون عروضا تحالفية من صالح، القاعدة تتحول إلى مصدر استراتيجي للتهديد، الفقر والجوع يعصفان بالبلاد والعباد، الفساد والفوضى الأمنية..إلى غير ما هنالك، من مشكلات تبدو كل واحدة منها، “أم الأزمات”.
قبل عدة أشهر تحدث الملك عبد الله الثاني عن الأزمة السورية، متسائلاً عن مغزى وأهمية التركيز على شخص الأسد دون الاعتناء بمستقبل النظام ككل..وقبل أيام، أعاد الأخضر الإبراهيمي طرح المشكلة ذاتها بطريقة أخرى، حين قلل من الأهمية التي توليها بعض الأطراف لإسقاط الأسد أو تنحيه، مذكراً وهو الخبير في الحرب الأهلية اللبنانية، بأنها بدأت بالمطالبة بتنحي الرئيس سليمان فرنجية، واعتبار ذلك مقدمةً للحل وشرطاً له. استقال فرنجية وجاء إلياس سركيس ومن بعده الأخوين بشير وأمين الجميل، وحكومتي سليم الحص وميشيل عون الانتقاليتين، من دون أن تنتهي الحرب الأهلية أو أن يتوقف سفك الدماء، إلى أن نضجت شروط “الصفقة” إقليميا ودولياً، وكانت ولادة “اتفاق الطائف”.
خلاصة القول: أن الأسد قد يُقال أو يستقيل، قد يسقط أو يتنحى، قد يفوض صلاحياته لنائبه أو لهيئة انتقالية...لكن الأسئلة الأهم من كل هذا وذاك وتلك، هي: هل سيضع ذلك حداً لإراقة الدماء في سوريا؟...هل سيتوقف القتل والتخريب والتدمير؟...هل سيُعتبر ذلك كافياً لأطراف محلية وإقليمية ودولية، لها مروحة واسعة من الوكلاء والعملاء المدججين بالسلاح والكراهية؟..هل سيقبل “النظام” بالشرع بديلاً عن الأسد أم رديفاً لـ”تقطيع مرحلة انتقالية”؟...هل يمكن أن تنشأ بدائل أخرى من رحم المؤسسة العسكرية و”الطائفية” زيادة في بث الطمأنينة والاطمئنان؟....هل سيفعلها “النظام” على طريقة “بيدي لا بيد عمرو”..فيفرض هو بدائله عبر “انقلاب مدبر” أو”ترتيب داخلي” يضمن له الخروج بأقل الخسائر الممكنة؟
منذ أن أصبح شعار تبديل رأس النظام وليس إسقاطه وتغييره، هو الشعار الناظم للمعارضة وداعميها ورعاتها، فإن المسألة السورية تكون قد دخلت في “بازار” المقايضات والتسويات، وأحسب أن مقترح أوغلو حول الشرع، ليس سوى “المبادرة الافتتاحية” والمؤكد أن مبادرات أخرى ستليها على وقع المعارك الدامية في حلب وغيرها، إلى أن يرسو المزاد الإقليمي والدولي على “طائف سوري”، المؤكد أنه لن يكون في الطائف هذه المرة.
( الدستور )