سوريا : المبادرة الممكنة
تحجب سُحب الدخان الكثيف المتصاعد في سماء المدن السورية، وعلى امتداد خط الحدود السورية – التركية، رؤية فرص التوصل لحل سياسي للأزمة السورية... وهي فرص ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، على الرغم، بل بسببٍ من سقوط أكثر من ثلاثين ألف قتيل، وتحول عدد من المدن السورية إلى ما يشبه مدن الحرب العالمية الثانية.
مثل هذا الحل، يمكن أن ينهض على ركائز أساسية، يمكن تركيزها على النحو التالي:
أولاً: يعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى العام المقبل بدل العام الذي سيليه، ويتعهد شخصياً، بعدم الترشح لخوض المنافسة فيها.
ثانياً: ينقل الرئيس معظم صلاحياته إلى مجلس رئاسي، برئاسة نائبه فاروق الشرع، ويضم شخصيات وطنية متعددة الألوان ومقبولة من الجميع، ومن غير الملوثة أياديهم بدماء السوريين وأموالهم، يتولى هذا المجلس قيادة سوريا في مرحلة الانتقال السياسي، وتمتد ولايته لعام واحد.
ثالثاً: يعلن عن جملة إجراءات لبناء الثقة وتطبيع الحياة اليومية في سوريا، تبدأ بوقف شامل لإطلاق النار، وتمر بانسحاب الجيش والمسلحين من المدن الرئيسة، ولا تنتهي بالافراج عن جميع المعتقلين وإعلان العفو العام، وحل المليشيات وسحب السلاح.
رابعاً: يشرع المجلس الرئاسي، في إعداد الترتيبات الخاصة بوضع “دستور انتقالي” لسوريا الجديدة، وخريطة طرق للمرحلة الانتقالية، تتضمن جداول زمنية لانتخاب “جمعية وطنية/تأسيسية” والانتخابات البرلمانية والرئاسية .
خامساً: يشرع المجلس الرئاسي في تنفذ خطة لاستعادة المصالحة الوطنية وبناء “الوئام الاجتماعي”، لإزالة ذيول الانقسامات الأهلية وتبديد الاحتقان الطائفي والمذهبي، وترجمة قواعد العدالة الانتقالية.
سادساً: يشرع المجلس الرئاسي في وضع خطة عمل لإعادة إعمار سوريا بالتنسيق مع المجتمع الدولي، لترميم ما خربته الحرب الأهلية وإعادة بناء البنية الخدمية والتحتية وتوفير فرص عمل لمئات ألوف السوريين الباحثين عن عمل.
مثل هذه الخطة، تنهض على فرضيات ثلاث، أهمها:
أولاً: ان الصراع في سوريا وعليها، بلغ نقطة حرجة، تنعدم معها الفرص لإنجاز الحسم العسكري ... لا النظام قادرا على استئصال المعارضة، ولا المعارضة قادرة على اسقاط النظام.
ثانياً: كلا الفريقين يتحول من “ذخرٍ” لحلفائه إلى “عبء” عليهم...وحلفاء الجانبين باتوا يضيقون ذرعاً بهما، وأكلاف الاستمرار في دعمهما باتت أعلى من العوائد المترتبة على هذا الدعم والمرجوّة منه.
ثالثاً: ان الخلاف الأمريكي – الروسي حول سوريا، يكاد ينحصر “عملياً” في نقطة واحدة: هل يبدأ الانتقال في سوريا وبها، برحيل الأسد أم ينتهي بهذا الرحيل...كل المعطيات تشير إلى أن الأسد لن يبقى في السلطة وإن طال أمد الأزمة، ورحيله في سياق عملية الانتقال، وبصورة منظمة، يمكن أن يكون أفضل السيناريوهات لسوريا ولكل الأطراف في المنطقة.
يمكن لهذا المقترح أن يوفر حلولاً لمشاكل وتحديات، لا تبدو المبادرة التركية (حلول الشرع محل الأسد) قادرة على معالجتها...المجلس الرئاسي، يمكن أن يوفر ضمانات للأقليات والمؤسسات، ويقلل من شأن “البعد المذهبي” للصراع الدائر في سوريا، ويمكن “قيادة الانتقال” من أوراق قوة، لا يتوفر عليها نائب الرئيس، ويعالج الاختلالات التي يعانيها “النموذج اليمني” المضطرب.
أما آلية تنفيذ هذا المقترح، فهي تعتمد على التوافق الدولي، الذي يعد التوافق الروسي – الأمريكي، محوره الرئيس، وأحسب أن الأخضر الإبراهيمي، يمكن أن يوفر المظلة الدولية التي تحتوي “المبادئ الستة آنفة الذكر، كما يمكن لـ”مبادرة مرسي” أن تكون آلية تنفيذية لهذه الأفكار...وفي ظني أن الموفد الدولي ليس بعيداً عن هذه المقاربة التي تنتظر نتائج “أم المعارك” في حلب ونتائج الانتخابات الأمريكية لكي ترى النور، والله أعلم.
( الدستور )
