دم بالعملة السَّهْلة !!

أصبح للدم مئات وسلة عملات غير فصائله المعروفة عضوياً، فثمة دم بالعملة الصعبة مقابل دم بالعملة السورية أو العراقية رغم ان رصيد هذه الدماء في بنك التاريخ أعزّ من الذهب والماس, بدأت بورصة الدم هذه من خلال المبادلة التي جعلت من أشلاء جندي اسرائيلي ما يقابل كتيبة عربية، ومن أسير واحد ما يقابل ألف أسير، ان هناك دماً على ما يبدو يقاس بالدولار واليورو مقابل دم أرخص من الماء، فمن يقتلون يومياً في سوريا والعراق وفلسطين مجرد أرقام وكأن دماءهم بنزين في العداد، كي يديروا محركات تعمل لاستراتيجيات الابادة بالتقسيط والذي بدأ يتحول الى الجملة.
ومن قتلوا في غزة خلال اليومين الماضيين لم يموتوا بحادث سير أو بتماس كهربائي، لكن أولويات المرحلة انقلبت رأساً على عقب، ففلسطين في ذيل القائمة، وقتلاها أيضاً في آخر موجز نشرة الأخبار.
قلنا من قبل ان نظرية مالتوس في تحديد النّسل وجدت من العرب وغير العرب من يترجمونها بتصرف، ما يحدث الآن هو ابادة وليس مجرد تحديد نسل عن طريق القتل اليومي! واذا صح أن من قتلوا في سوريا وحدها خلال أقل من عامين أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل، فان المرأة العربية لم تعد تُحْسد على معدل الانجاب فهي ان أنجبت سبعة فان خمسة منهم على الأقل منذورون لهذه الابادة.
دم رخيص، وأكثر من ذلك تحول الى ماء بعكس ما قال أسلافنا العرب، فهذه الكيمياء السياسية اللعينة حولت الدم الى ماء فلم يعد هناك إحساس بما يجري، وصار الموت بالجملة وبالمجان مجرد جملة عابرة وباردة في نشرة الأخبار.
أحصيت في ظهيرة واحدة أكثر من ستمئة قتيل عربي بين انفجار في صنعاء ذهب ضحيته مئة عسكري وآخر في العراق كان عدد ضحاياه في مختلف المدن العراقية أكثر من ثلاثمئة وثالث في دمشق قيل أن ضحاياه ثمانون أو أكثر، واذا أضفنا الى هذه الأرقام من يموتون يومياً بالسكتة القومية والجلطة الوطنية كمداً فإن الرقم سوف يتضاعف عدة مرات. ما من ربيع كهذا تسقط فيه الأوراق عن الشجر وتختفي فيه الطيور من السماء ويصبح لون السماء أصفر.
اننا على ما يبدو لا نتقن حتى تسمية ما يحدث لنا، لأننا سمينا ما ألحقه الغزاة بنا لقرون استعماراً وهو استخراب حتى النخاع وسمينا ثكناتهم مستوطنات ومستعمرات، اما قرانا فقد سميناها «الخِرَب». ربما لأننا استخدمنا الأسماء في تاريخنا للتضليل فقلنا عن الملدوغ بسم الأفعى انه السليم وظفر الخدم والعبيد بأسماء الأسود والفهود والجواهر، بعكس أسمائنا ذات الدلالات الهشة الرقيقة..
لقد نجحوا فيما يبدو بادخال الدّم في مواسير الماء وصنابير الكاز، ومن يدفنون بالمئات يومياً يرددون داخل قبورهم لقد أسمعت لو ناديت حيّاً، لكن لا حياة ولا حياء لمن تنادي..
دم بالعملة المحلية السّهلة، مقابل دم بالعملة الصّعبة، وقد يكون ذلك من حق حواسيبهم الذكية وليس من حق حاسوبنا الغبي، فنحن الآن ثلث مليار واسرائيل أقل من ستة ملايين، أي حصة كل اسرائيلي منا خمسون رجلاً وامرأة وطفلاً، اضافة الى الشجر والحجر!!
( الدستور )