انعاش حيوية المجتمع مسؤولية النخب ايضا

افضل انجاز حققناه خلال العامين المنصرمين هو تنشيط حركة المجتمع، ذلك اننا في السنوات التي سبقت ذلك كنا نعاني حالة من الجمود لدرجة كدنا فيها ان نتصور بان شرايين مجتمعنا تصلبت وان الدماء فيها توقفت عن الجريان.
الان تغيرت الصورة تماما، فلا يخلو يوم من اعتصامات او مسيرات او وقفات احتجاج، ومن المفارقات ان ابرز الفاعلين في هذه الحركة هم من العمال والموظفين والشباب غير المنظمين سياسيا، ونتذكر هنا ان «المعلمين» هم الذين افتتحوا «ماراثون» الاحتجاجات قبل بزوغ «قمر» الربيع العربي، وبأن «المتقاعدين» هم اول من اشار باصبعه الى «قطار» الاصلاح الذي توقفت آنذاك عجلاته.
من المفارقات ايضاً ان النشاط الذي دبّ في اوصال المجتمع بدأ من الشارع، لكنه لم يتزامن كما هو مفترض مع «حركة» النخب، ولكي نفهم ذلك نتذكر باننا شهدنا في السنوات الماضية مئات الندوات والمؤتمرات، واستقبلنا عشرات المفكرين والباحثين، وانفقنا مئات الالاف من الدنانير على ذلك، لكن في العامين المنصرمين انحسرت هذه الظاهرة، كما تقلص دور النخب «المفكرة» في متابعة حركة الشارع وقراءة اتجاهاته وتوجيه بوصلته عند الضرورة؟ افهم – بالطبع – لماذا حدث ذلك، ربما اكتشفنا – ولو متأخرين – بان «قصة» النخب لا جدوى منها، وبأن «حوارات ما بين الجدران» لها مقاولون معتمدون لا علاقة لهم بالناس وقضاياهم، وبالتالي حين خرج الشارع عن صمته لم يجد هؤلاء امامهم من خيار سوى الصمت والانزواء.
هذا بالطبع، كان خطأ كبيرا، فنحن في هذه المرحلة أحوج ما نكون الى حضور النخب « العائلة» والى دور «المفكر» المصلح، واذا كان هذا النشاط الذي عاد للمجتمع يمثل «صحوة» ضمير بالنسبة للناس الذين عانوا من الظلم والصمت، فمن الضروري ان تجد فيه النخب فرصة لابداع ما يلزم من «مسارات» وقنوات واشارات للحفاظ عليه وتغذيته بالافكار الصحيحة وارشاده الى سكة السلامة.
فكرة انعاش الاحتجاجات في الشارع من خلال خطوط موازية تقوم عليها النخب، كما يحصل في خيمة اعتصام المواقع الالكترونية، فكرة تستحق الاهتمام، فقد تجاوز الصحفيون هناك فكرة الاعتصام «الصامت» الى عقد لقاءات ومحاضرات تتعلق بالشأن العام، وبالتالي فان بقاءهم في الخيمة لمدة «30» يوما حتى الان لم يذهب هدرا، وانما جرى استثماره في اتجاه تنويري يصب في خدمة «انعاش» المجتمع واعادة الحيوية الفكرية والسياسية اليه.
يمكن التفكير في آليات جديدة لتوطين هذه الحالة «الانتعاشية» وتطويرها داخل مجتمعنا، واعتقد اننا يمكن ان نستفيد من تجارب غيرنا في هذا المجال، فما الذي يمنع من ابداع تجمعات شبابية تحت اسم «ضد الغلاء» او اخرى «ضد الاعتقال» او ثالثة «مع حق المواطن في السكن» وهكذا، وما الذي يمنع «النخب» من تخصيص جزء من اعتصاماتها في الشارع لاقامة «ندوات» ومؤتمرات تناقش قضايا «الهم» العام وتقدم تصوراتها حولها.
باختصار، لا بدّ ان نستثمر حالة «الانتعاش» في مجتمعنا، وان نضمن استمرارها، لا لكي نطرد «التصحر» السياسي والفكري والاجتماعي الذي اصابنا منذ عقود، وانما ايضا لكي نجدد الدماء في مجتمعنا ونقدم له «طبقة» جيدة من الشباب القادرين والمؤهلين لبناء مستقبل بلدنا بشكل افضل.
( الدستور )