خبز طابون من الشارع العريض
تم نشره الجمعة 19 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 12:55 مساءً
مراد الكلالدة
العالم تغير يا ناس، زمان كان الوقت أطول ... كيف يعني أطول ما هي الساعة ساعة والدقيقة دقيقة من زمان حتى الآن، بس أنا بقولكم كيف. زمان لما بعثت أم جبر إبنها لشراء خبز من الشارع العريض، لوازم أكل قلاية البندورة اللي حكيتلكم عنها، حينها وقف جبر ساعة حتى جاءه الدور. كان إسمه الشارع العريض لأنه كان أعرض شارع في عمان مسربين في كل إتجاه ورصيف بعرض ثلاثة متر لوازم المشاة. الشارع لمن يعرفه يمتد من القلعة حتى دوار مكسيم وياما قزدر عليه العشاق مساءً. وبتعرفو انه جبر إندعس في الشارع العريض في أول يوم مدرسة، وهاي إلها حكاية سيرويها جبر في القادم من الأيام، ما علينا، خلينا نرجع لطابور الخبز، الواجهة حديد يسموها المهندسين حديد فاصون، ليش ما بعرف. باب منزوع المقبض من الخارج حتى ما ناس يدخل عالفرن، وشباك زجاج مبزر درفتين للمناولة. طبعا انت بتوقف برة على الرصيف العريض اللي للشارع العريض، ولأنه الطلب على الخبز كبير والموقع إستراتيجي وعلى تقاطع فإنه يلم الزبائن من مجالين وبيسمونة المهندسين (نطاق) وبالانجليزي Catchment Area مثل حوض تجميع المياه من عدة مناطق بتصب في أودية وبتظل داحلة لأخفض نقطة. مالي بشطح كثير هاليوم وخلينا نرجع للطابور.
المصطفين بالطابور ثلاثة من جيل جبر بالبيجامة طبعا، وخمسة شباب بيحلقو ... لحليتهم يعني أكبر من جبر بشوية، وشوية أطفال ما بيصل راسهم للشباك لابسين ترينينج مبهدل. الناس كانت بتحترم الدور في تلك الأيام وبتصّف خلف بعض، ولأن الرصيف ثلاثة متر بس، فالدور مطعوج مثل الحية وبيمشي بطيء ونفسي أعرف ليش، تسائل جبر. المشكلة أنه الناس بتوخذ صفطة شي عشرين ثلاثين رغيف وشكلة الفرّان مش ملحق. مرة بترتكز على الرجل اليمين ومرة على اليسار وبعد فترة بتمشي خطوة، وبتقضيها بتراقب بالسرفيس خط ثمانية بينزّل وبيحمّل لأنه تقاطع والسرفيس ما بدخل المخيم وبيكمل للدوار. آه على ذكر الدوار كان بيجنن مفتوح للناس، اللي بيبيع ضراية والي بيبيع أيمة (يعني بوظة وهاي ترجمة للجيل الجديد) والآخر عنده بزر وفستق سوداني، وكانت الناس بتشتري على مهلها ومش مثل دواوير هالأيام نوافير بدون ماء وشجر مقرقد ومسيّجة كمان لمنع التجمهر.
خلينا نرجع للطابور، رِجل قدام ورِجل ورا، قرّب جبر من الشباك وأخذ يراقب خط الإنتاج. العجانة قِدر كبير مثل الطاسة بس على أكبر وفيها شوكة كبيرة بتقلب العجين وبيصير مثل أمواج هاوي قلبة بعد قلبة. سيد الطاولة هو راضي وبتقولو كيف عرفنا إسمة، لأنه المعلم كل شوية بنادي عليه وبيقول: هات فرش يا راضي، وبعدين بقللكم شو هو الفرش. المعلم بتناول صرة العجين من على الفرش وبيضعها على الطاولة وتحتها رشة طحين وبيفردها شوية بالتطبيل عليها ثم يرفعها بحركة بهلوانية فيتسع الرغيف ويضعة على المخدة ويدخلة إلى الطابون. وقد تسنى لجبر الأقتراب من الطابون لأنة الأقرب إلى الشباك فهو مدحبر (الطابون مش جبر) مثل خلاطة الباطون وله طاقة يادوب يقدر المعلم يدخل منها المخدة ويلصق العجينة بجدار الطابون. وما هي إلا دقائق ويُخرِج المعلِم أرغفة جبر الخمسة بشلن ساخنة يظل جبر يقلبها حتى يصل الدار ناقصة رغيف تصبيرة على الطريق.
بقي أن أقول لكم ما هو الفرش، أنه صينية خشب كبيرة مجمّعة من ألواح خشب أبيض وفي طرفيها طبشات خشب للشد. والصرّر هي العجينة على الفرش ما إلها إلا بيت النار واللي بالطابون بيطولو المعلم ...والخبز مثل بعضة والناس حالها واحد ... والمدينة توسعت والشارع العريض على حالة وبالمناسبة إسمه الرسمي شارع خالد بن الوليد ويصلح أن يكون محور تنموي سياحي لأنه يمتد من القلعة حتى دوار مكسيم (سابقا لأنهم شالو الدوار) ودوار سكينة حتى جسر شارع الإستقلال. وعسى أن تستفيق أمانة عمان من أوهام مشاريع التكثيف العمراني والأبراج لتعود إلى عمّان الروح والذكريات فهكذا تُبنى المدن وتتطور بأهلها وذاكرتها الشعبية وعمرانها.