سلاح الجو السوري

أنا مواطن عربي، كغيري من كل المواطنين العرب الذين لم يسمعوا بأي دور أو أثر لسلاح الجو السوري ومنذ ثلاثين عاماً، كما لم أسمع ولم أقرأ أيّ خبر عن غارة جوية سورية على مواقع العدوّ، ومنذ ذلك الوقت لم أسمع بأيّ اشتباك جوّي مع طيران العدوّ، كما أنّ الطائرات السورية لم تعترض الغارة الجوية (الإسرائيلية) التي دمّرت مواقع الصواريخ السورية في البقاع، كما أنّ السلاح الجوّي السوري لم يعترض الطائرات "الإسرائيلية" التي ضربت مشروع المفاعل النووي في الأعماق السورية ودمرته تدميراً كاملاً، وكلنا قرأ التصريحات السورية التي كانت تصدر عقب كل ضربة "إسرائيلية" بأنّ سورية تحتفظ بحق الرد، كما أنّها مارست سياسة ضبط النفس وعدم الانجرار للاستفزازات الصهيونية، وفوتت الفرصة على الكيان الصهيوني الذي يريد جرّ سورية إلى معركة تهدد المنطقة، وأصبح لديّ شعور أنّ سورية لا تملك طائرات حربية بمعنى الكلمة!.
كما أنّ سورية نسبت حادث التفجير الذي أودى بحياة القائد العسكري لحزب الله "مغنية" في إحدى ضواحي دمشق، إلى أجهزة صهيونية، وما زال التحقيق جارياً لمعرفة ملابسات الحادث منذ سنوات، ولكن هذا الاختراق الصهيوني رغم عمقه وإيذائه لم يستطع أن يهزّ الهدوء والانضباط الذي تتمتع به القيادة السورية الحكيمة تجاه التصرفات الرعناء والتحرشات العسكرية التي يمارسها الكيان الصهيوني تجاه سورية قلعة الممانعة والمقاومة العربية الوحيدة!!.
كلّ هذا الانضباط وكل هذه الحكمة، وهذا الاتزان والهدوء الذي تتصف به سياسة النظام السوري تجاه الكيان الصهيوني المتغطرس، لم تتجلّ ولم تظهر ولم تجد في مواجهة تحركات الشباب السوري والمظاهرات الشعبية التي بدأت سلمية في درعا وإدلب ودير الزور وريف دمشق، بل كان القرار حاسماً وجازماً وقويّاً وواضحاً وصريحاً وقاطعاً، وبلا أدنى تردد، بضرورة سحق المتظاهرين بالقوة الصاعقة والتدمير العنيف الصادم الذي يؤدب البقية التي قد تفكر بالململة أو التحرك.
في هذه الأوقات بتنا نسمع يومياً بغارات سلاح الجوّ السوري، وأصبحنا ندرك قدرة الطائرات والمروحيات الحربية السورية، على الضرب والإغارة، وأصحبت نشرات الأخبار تنقل أخبار الطلعات الجوية السورية، وإلقاء القنابل المدمّرة "البراميل"، ولكن ليس على مواقع العدوّ المحتل، ولا قواعد الكيان الصهيوني في الجولان المحتل، بل نجد القصف على حلب والمسجد الأموي فيها، وعلى الأسواق والمنازل في درعا وإدلب ودير الزور وحمص وحماة، المصحوب بقصف الدبابات والمدافع الثقيلة، وكتائب الجيش المنظم وعصابات الشبيحة والمرتزقة والقنّاصة، التي قتلت ما يزيد على (50) ألفا ومئات الآلاف من الجرحى والمفقودين والمعتقلين الذين يقضون نحبهم تحت التعذيب الوحشيّ، إضافة إلى مليون مهجّر خارج سورية وداخلها.
إنّها حالة مرعبة ومحيّرة تستعصي على الفهم وتخالف المنطق، والسؤال الأكثر غرابة لماذا لم يستعمل النظام كل ما كان يتصف به من مخزون الحكمة والهدوء والاتزان والانضباط الذي مارسه تجاه الكيان الصهيوني الذي يحتل الجولان السوري منذ (45) عاماً مخالفاً لكلّ الأعراف والقوانين الدولية، ويمارس الإذلال السياسي والعسكري تجاه النظام السوري عبر الضرب بالأعماق والاختراق والاغتيال في قلب العاصمة دمشق، ولم يمارس النظام هذه الحكمة والانضباط تجاه شعبه وثورته وانتفاضته الداخلية.
( العرب اليوم )