الحلف التركي-العربي

أبدأ ببعض المعلومات/ الحقائق التي أملك من الأدلة عليها ما تقبل به محكمة، فأرجو ألاّ أُناقَش في المعلومات، مع حق كل قارئ في أن يرفض أيَّ رأي لي أبنيه عليها.
- في نيسان (ابريل) 2010 تلقيت دعوة من الحكومة التركية لحضور افتتاح التلفزيون التركي باللغة العربية («التركية»)، وأجريت والزميل الصــديق فهمي هويدي مقابلة مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للمحطة الجديدة.
- أخذني رئيس الوزراء جانباً بعد ذلك وتحدثنا عن حلف اقتصادي تركي-عربي كان يفترض أن يضم في البداية تركيا وسورية ومصر، ويكون مفتوحاً للدول العربية الأخرى.
- اللواء عمر سليمان قال لي في القاهرة إن هناك قراراً سياسياً مصرياً بالموافقة على أي طلب للشركات التركية خلال 24 ساعة، وأضاف أن لتركيا في مصر مشاريع بتروكيماويات وأسمدة وغزل ونسيج وغيرها.
- جمال مبارك قال لي إن الربط بالكهرباء مع الأردن تبعه مسح بطن البحر الأحمر لربط مماثل مع المملكة العربية السعودية، وكانت البداية بالكهرباء، لأنها غير جدلية، غير أن خط الربط الثاني هو للغاز، ثم للنفط، ومصر تستطيع أن تضم ليبيا إلى المشروع، وربما استطاعت سورية ضم العراق، لحسن العلاقة بينهما بدعم إيراني.
- الثورة في مصر عطلت مشروع الحلف الاقتصادي الذي طلع به أردوغان، والثورة في سورية دمرت ما بقي منه.
- كان يفترض أن يحارب النظام الجديد في مصر الفساد، وأن يصون منجزات اقتصادية هائلة لحكومة أحمد نظيف جعلت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يقولان إن مصر ستكون من نمور الشرق الأوسط اقتصادياً.
- يستطيع الزعيم الإسلامي أن يواكب العصر، من دون أن يطلع من جلده، أو دينه، وعندنا في رجب طيب أردوغان مثل ساطع ناصع، فمنذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم في تركيا سنة 2002، نما الاقتصاد التركي مئة في المئة، وذلك في أقل من عقد واحد، وحققت تركيا هذا الإنجاز النادر، وهي تنتصر للفلسطينيين كل يوم وترسل أول سفينة حرية لكسر الحصار على قطاع غزة، ما يثير لها عداوات غربية.
ما سبق معلومات صحيحة موثقة، أنطلق منها لأقول إن تركيا تحاول الآن مع مصر ترميم الحلف التركي-العربي الذي افترسته الثورات العربية، ورجب طيب أردوغان سيزور القاهرة قريباً للعمل على انطلاقة جديدة.
الحلف الاقتصادي السابق كان حلف اقتناع، والحلف الجديد حلف حاجة، فالنظام السوري خرج من المعادلة، ولن تعود سورية إلى المجموعة إلا بعد وقت طويل. وكنت أتمنى لو أن الرئيس محمد مرسي لم يهاجم النظام السوري في إيران، فقد كان كلامه صحيحاً، إلا أن اعتراضي سببه أن الرئيس مرسي أخرج مصر من دور الوسيط والحكم لتصبح طرفاً في النزاع مع سورية، واليوم العلاقات بين تركيا وسورية مقطوعة، وهناك توتر على الحدود وعنف. مع ذلك، مصر لا تستطيع التدخل في سورية، وتركيا لا تريد، فكل استطلاع للرأي العام التركي أظهر غالبية واضحة ضد أي تدخل عسكري.
أعتقد أن تركيا ومصر قادرتان على تجاوز صعوبات في كل منهما أمام الحلف الجديد، أو الثاني، ففي تركيا لا يريد العلمانيون -وهم قوة كبيرة- تحالفاً مع نظام ديني، وفي مصر هناك فريق من الإخوان المسلمين لا يثق بمواقف تركيا ولا يعــتبر النظام فيها إسلامياً خالصاً، ثم إن كلاًّ من البلدين يضم جناحاً قوياً يعتبر أن حق القيادة الإسلامية هو لبلده، تركيا أو مصر.
هذه تفاصيل، وأهم منها أن الحلف التركي-العربي الجديد سيُصلح ما خربت الثورات العربية، من دون قصد، ويفيد أطرافه، فهي مجتمعةً أكبرُ من إسرائيل وأقوى، ويبقى أن نرى التنفيذ.
( الحياة اللندنية )