هدنة العيد و«عيديّته»

ثمة ما يشي بأن النظام السوري ذاهب إلى قبول “هدنة عيد الأضحى المبارك” التي اقترحها عليه وعلى معارضيه المسلحين، الموفد الأممي الأخضر الإبراهيمي...ونأمل أن تفعل “المعارضات السورية المسلحة” الشيء ذاته، فينعم السوريون بإجازة من القتل، أقله في أيام العيد المباركة.
والإبراهيمي كما كشف لمحدثيه، يرى “العيد” بداية الهدنة والتهدئة...فإن حصلت، فقد يفتح ذلك الباب رحباً أمام اقتراحات بتمديدها شهراً إضافياً على أقل تقدير...وعندها سيصبح بالإمكان استدعاء ثلاثة آلاف مراقب دولي على الأقل، لرعاية الهدنة ووقف النار والإشراف عليهما، الأمر الذي سيتيح للدبلوماسية حيزاً أرحب للحركة وهامشاً أوسع للمناورة.
وكما تقول المصادر المواكبة لمهمة الإبراهيمي، فإن الرجل الذي أبدى واقعية (أقل تشاؤماً) في قراءة مهمته، لا يتصرف من وحي هذا التشاؤم، بيد أنه لا يؤثر رفع سقف التوقعات...فهو يعمل للتهدئة كأنها واقعة غداً، وهناك معلومات تتحدث عن استعدادات فعلية لنشر ثلاثة آلاف مراقب دولي...والرجل وعد القيادة السورية في لقاءاته الأخيرة معها، بأنه عائد مطلع الشهر المقبل، وفي جيبه “خريطة طريق” لمعالجة الأزمة السورية.
في مناخات الجمود الدولي، المترتب على “حالة الانتظار” التي يعيشها المجتمع الدولي على وقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تبدو “التهدئات” التي يقترحها الإبراهيمي بـ”التقسيط” بمثابة تقطيع للوقت...هذا سلوك لا يحسب على الإبراهيمي بل يحسب له، بخلاف ما يورده بعض المحللين والكتاب الذي يستمطرون التدخل العسكري ويستعجلون الحسم المسلح...فالإبراهيمي ليس بحاوٍ يجترح المعجزات ويخرج الأرانب من قبعته، بل هو رجل سياسة، ويعرف تمام المعرفة، أن التوقيت الدولي ما زال مضبوطاً على ساعة البيت الأبيض، وهذه تنتظر من يحرك عقاربها للأمام أو للوراء.
تخطئ المعارضة السورية المسلحة والعزلاء، إن هي رهنت التهدئة برحيل الأسد أو تنحيه...هذه المهمة التي لم تنجز في الميدان، لن تكون ثمناً مناسباً لهدنة أو تهدئة مؤقتتين...ويخطئ النظام إن اشترط للقبول بالتهدئة، توقف قطر والسعودية وتركيا عن دعم المعارضة المسلحة، فالثمن المطلوب أكبر من أن يُدفع نظير هدنة لا أحد يعرف متى ستستمر أو أين ستصل...دماء السوريين، تستحق أن تحقن بعد كل هذا النزيف، ومن جانب واحد كما اقترح الإبراهيمي، وهل ثمة مكافأة أعظم من حقن الدم السوري، نظير امتناع الطرفين عن تبادل إطلاق النار والقذائف والمفخخات؟.
في مناخات انعدام الثقة بين فريقي الصراع وداعميهما، الدوليين والإقليميين، لا أحد يأخذ على محمل الجد واليقين، وعود كل طرف التزام الهدنة..أضف إلى ذلك أن تشتت المعارضة وانقسامها وغياب القرار المركزي الموحد والمرجعية السياسية الموحدة لها، سيسهمان في تعقيد الموقف، لكن لا بأس من المحاولة، وليتحمل كل طرف مسؤوليته، إيجاباً بوقف شلال الدماء، أو سلباً بتحمل أوزار الاستمرار في إراقتها.
بعد تسعة عشر شهراً من القتل والتدمير اليوميين، يستحق السوريون فرصة لالتقاط الأنفاس ولملمة الجراح وتفقد البيوت والممتلكات المهدّمة، والاطمئنان على الأهل والأحبة...يستحق السوريين فسحة أمل وطاقة فرج وانفراج، وإن مؤقتة، فهل يمنحها المتحاربون لهم، أم يسلبونهم فرحة العيد للمرة الرابعة على التوالي؟
( الدستور )