هدنة 4 أيام.. وهدنة 40 سنة

تم نشره الإثنين 29 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 11:10 مساءً
هدنة 4 أيام.. وهدنة 40 سنة
عيسى الشعيبي

على نحو ما استقرت عليه توقعات المراقبين من قبل، وتوافقت عليه أغلبية آراء السوريين سلفاً، فشلت هدنة العيد المقترحة لأربعة أيام كان من المقدر لها أن تفتح كوة صغيرة في جدار الأزمة المتفاقمة، وأن تستدرج خطوات أخرى لاحقة على طريق سياسية بديلة، قد تفضي إلى الخروج من المأزق الحاد الذي انحشرت فيه سائر الأطراف المتورطة في مواقف تخرج شيئاً فشيئاً عن نطاق السيطرة.

ومع أنه يمكن توجيه نقد شديد إلى فكرة الهدنة الطوعية المفتقرة إلى تفويض ملزم وقواعد إرشاد وآليات عمل وقوة مراقبة مستقلة، فإنه يجب توجيه نقد أشد إلى المفهوم الذي انبنت عليه نظرية خفض العنف تدريجياً، اتكالاً على طرفين يلعبان لعبة صفرية، حيث كل كسب هنا يسجل خسارة صافية هناك.

وعليه، فليس في أمر إخفاق الوساطة وفشل هدنة ولدت ميتة، أي مفاجأة غير متوقعة، إن لم نقل إن النجاح وسط كل هذا التشابك بين المتقاتلين على الأرض، وفقدان أدنى درجة من درجات الثقة، كان هو المفاجأة بعينها، فيما لو أظهر أي فريق علامة تعب في حرب شعارها "إما قاتل أو مقتول"، وباطنها إعادة بناء خريطة تحالفات إقليمية تتجاوز حدودها رقعة المنطقة، وبالتالي إنتاج توازنات جديدة في هيكل علاقات القوة.

وقد يطول شرح أسباب فشل هدنة الأيام الأربعة، وهو ما يستدعي طرح سؤال مقابل: لماذا نجحت هدنة الأربعين سنة على جبهة الجولان، وتحولت إلى ما يشبه الثابت الوحيد وسط فيض من المتغيرات التي عصفت بقوة على البيئة السياسية المحيطة بهذه الهدنة ؟

في معرض الإجابة عن مثل هذا السؤال الذي لم يطرح على التداول الصريح منذ أول وساطة مجهضة، ينبغي فهم النوازع والهواجس والتحسبات المتحكمة برؤية حاكم دمشق، حين يبدي امتثالاً كلياً لاتفاق وقف إطلاق النار على جبهة الجولان، ولا يتجاسر على الرد حين تضرب إسرائيل في العمق السوري، فيما لا يتوانى للحظة واحدة عن استخدام كل ما في حوزته من فائض قوة للرد بإفراط شديد على شعبه، والتصرف معه كقوة احتلال أجنبية.<br />لا تحتاج الإجابة إلى إعمال العقل كثيراً، وتقليب الموقف على جوانبه طويلاً. فإذا كانت مسألة الحفاظ على النظام، ومواصلة الإمساك بالسلطة، هي المعيار الأول والأخير في قبول الهدنة أو رفضها، يصبح التعايش مع هدنة دائمة مع إسرائيل أمراً يمكن القبول به، وتسويغه بجملة ثورية صاخبة، طالما أن العدو الخارجي توقف من تلقاء نفسه على مشارف العاصمة، فيما تغدو الهدنة مع ثورة الداخل، في المقابل، أول خطوة على طريق خسارة السلطة.
من هنا، فإنه يمكن فهم دافعية حكم آل الأسد الرافض في العمق لكل هدنة قصيرة، طالما أن لديه مخزوناً من احتياطي القوة، ويمتلك قدرة نارية هائلة، يستطيع بها المراوغة، وإطالة أمد بقائه في السلطة، ومن ثم مواصلة الرهان حتى اللحظة الأخيرة، للحصول على صفقة دولية تحقق له البقاء، ولو إلى أجل معلوم في سدة السلطة.<br />إزاء ذلك كله، فإن من المرجح أن يؤدي سقوط الهدنة الموؤودة في مهدها، إلى إحجام الوسطاء عن التقدم بأي عرض مماثل في الفترة الطويلة المقبلة، وأن تتصاعد حدة المعارك، وأن تسيل المزيد من الدماء البريئة، إلى أن يحدث التطور المؤجل على صعيد المقاربة الأميركية، ويقع التحول المؤدي إلى كسر نقطة التعادل الراهن في ميزان القوة؛ إذ يمكن عندها فقط حمل حاكم دمشق حملاً على القبول بهدنة تحت الرقابة الدولية، ودخوله مرغماً على عتبة التسليم بمرحلة وسيطة، تفضي إلى دولة مدنية ديمقراطية.                      



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات