يا مال الشام!

حول قبر آخر المرابطين في تونس وفي مقهى يحمل اسمه، قلت لادونيس الذي كان ينقر الليل بعصا من غابة لوز قرطاجية.. ألا تـُصغي لنشيج أموي؟ وذكّرته بما كتب عن تحولات الصقر الذي اصبحت الارض اضيق من ظل رمحه فيما كانت حوله العقارب تضيء...
الليلة، عندما كانت الفضائيات تعلن عدد القتلى في الشام، جاءني من بعيد صدى صوت يرشح منه الياسمين.. يا مال الشام لكن مال الشام ليس مالي ولم يعد مال الشام ذاتها، فكل شيء الان في مهب العواصف سواء كانت تستدرج الغيمة فوق سماء الغوطة او تذر رمادها في العيون.. والصوت الاخر الذي جاء صداه من وراء التاريخ كان لفيروز «ان ما سهرنا ببيروت بنسهر في الشام». لكن الغناء كما الشعر يختصر مسافات لا يقطعها امهر العدائين في زمن الكساح.
ثم يلحق سعيد عقل الدنيا ببستان الشام!
فكم تبقى من المرابط الاخير؟ ومن الياسمين المتساقط كندف الثلج على كأس الليمون الذي تقاسمته مع شاعر تجاوز الثمانين ولم يسأم تكاليف الحياة والشعر معا..
ولكي يكتمل المشهد، كنت اقلب مجلة بدءا من صفحتها الاخيرة وهي كاريكاتور عن موقعة الجمل في ميدان التحرير بالقاهرة.. وقد رسم جملا له ثلاثة سنامات. لها شكل الاهرامات ورؤوسها المدببة المغروزة في الفضاء.
حلمنا جميعا بغد لا يشبه البارحة. لكن الثعالب لم تكف عن المراوغة، بحيث صرنا نبكي على الامس واليوم ونخاف من الغد لاننا لا ندري ما الذي ستحمله الشمس فيه.
الحكاية أبعد من صراع طوائف او قبائل او طبقات، ولا تختصر في الثالوث الاسود من بلطجية وشبيحة وقاطعي طريق.
انها عواصم لم يبق واحد من الغزاة لم يسل لعابه على اسوارها، تدمر وتعاد الى ما قبل القرن التاسع عشر والخلاصة ان ما يحدث هو انتحار قومي بعدة امتيازات، كأننا لا نستحق هذا الموروث لهذا بددناه بسفاحة احفاد يعشقون العقوق.. فلم يسلم المتحف والمسجد والكنيسة والقلاع الايوبية من مكبوتنا المزمن.
اما الذرائعيون ومحترفو الندب في مآتمنا حتى لو كانت خلال ايام الاعياد فليدعونا وشأننا عندما تآزف نوبة البكاء على اطلالنا وكتب اسلافنا وما تبقى في جذوع اشجارنا المذبوحة من نشيج.
فالاشجار كلها بدءا من التين والزيتون حتى الارز والسنديان والنخيل هي الان صفصاف يرشح دمعا!
سهل علينا ان نكون مع الله والقيصر في لحظة واعدة لان الزمن برمته مهور بالتواطؤ.
واسهل علينا ان ننتظر الشهد من الذباب والبعوض. لان الوقت كله مطوّب لاكلي لحوم امهاتهم واطفالهم وهم لا يعلمون.
ما هكذا تورد الابل نحو منابع الحرية وما هكذا تكون ترجمة الحلم بغدٍ لا يشبه البارحة.
مبروك على الطائفي والمذهبي والبلطجي والشبيح تسعون دويلة عربية تـُرسم تضاريسها الان ما وراء البحار!!
( االدستور )