رسالة عاجلة إلى نقيب المهندسين..
لا أنكر أنني أشعر بالألم الممزوج بالغضب كلما سمعت أن
جهة ما تتجه إلى إنهاء خدمات عدد من موظفيها، وإحالتهم إما إلى التقاعد، وإما إلى
شارع البطالة، فالحجج الكثيرة التي تُساق في مثل هذه الحالات قلما تكون مقنعة، وهي
تتمحور على الأغلب في قضايا إعادة الهيكلة وضبط الإنفاق، ولكن كثيراً ما يُساء
استخدام هذه الحُجج، ويُساء استخدام السلطة الإدارية في إنهاء خدمات أناس والتأثير
سلباً على حياتهم وحياة أُسَرِهم.. الأمر الذي يضع أمامنا جميعاً سؤآلاً مهماً: إلى أين يتجه
هؤلاء الناس الذين يتم إنهاء خدماتهم وكيف سيتدبرون أمور معيشتهم وذويهم
عند انقطاعهم دخلهم أو الانتقاص من هذا الدخل..!؟
مناسبة هذا الحديث هو ما سمعناه من أن نقابة المهندسين،
وهي من النقابات المهنية التي نحترمها كثيراً، وأكنّ لها ولمجلس النقابة الحالي
على الصعيد الشخصي احتراماً وتقديراً كبيرين، سمعنا أنها قررت إنهاء خدمات (13)
موظفاً من موظفيها، وبعضهم في مواقع وظيفية متقدمة، وحتى لا نظلم النقابة وقرارها
الذي ننتقده، فقد علمت أن المعيار لإنهاء الخدمة هو إكمال أربعة وعشرين عاماً في
خدمة النقابة، ولكن هذا المعيار كافٍ وعادل، وهل كل منْ أكمل شروط التقاعد المبكر
يمكن إنهاء خدمته، وإحالته على الضمان الاجتماعي ليتقاضى راتباً تقاعدياً مبكراً
مخفضاً،
وهل يُكافأ منْ أفنى (24) عاماً من زهرة سنوات عمره في
خدمة النقابة وعمل بإخلاص وتجرد بهكذا قرار، ودونما سابق إنذار..!!؟
قلنا مراراً بأن التقاعد المبكر هو استثناء في عملية
التقاعد، ويتم تخصيص راتب المبكر بناءً على طلب الشخص نفسه وليس بناءً على طلب جهة
العمل التي يعمل لديها، وبالتالي فإن إنهاء خدمات شخص ما من قِبَل صاحب العمل لا
يستتبع بالضرورة حصول الشخص على راتب تقاعدي مبكر، إلاّ إذا رغب بنفسه بذلك وكان
مستكملاً لشروط استحقاق هذا الراتب، وفي كل الأحوال هناك ضرر يلحق بالشخص فيما لو
اضطر إلى طلب التقاعد المبكر وهو أن هذا الراتب مخفّض، فلا نريد أن يُلحِق أي صاحب
عمل ضرراً بعامل أو موظف لديه في حال إنهاء خدماته ووضعه في موضع المضطر للجوء
لطلب
التقاعد المبكر من مؤسسة الضمان الاجتماعي، فالكثيرون لا
يرغبون في هذا النوع من التقاعد، ويفضلون البقاء في سوق العمل ما دامت لديهم
القدرة على العمل والعطاء إلى حين إكمال السن القانونية للتقاعد وهي سن الستين
بالنسبة للذكور وسن الخامسة والخمسين بالنسبة للإناث، وبالتالي الحصول على راتب
تقاعدي غير مخفّض، مع الاحتفاظ بحقهم في العمل والجمع بين الراتب التقاعدي والأجر
من العمل دون الانتقاص من أي منهما.. وقد سمعنا تذمرات وشكاوى مئات المتقاعدين
مبكراً الذين تم إنهاء خدماتهم عنوة في شركات ومؤسسات تعرضت لإعادة الهيكلة، وقامت
بإخراج
مئات الموظفين والعاملين وإحالتهم إلى مؤسسة الضمان
ولجوئهم مضطرين إلى التقاعد المبكر، وبالتالي كنّا ولا نزال نسمع الشكوى من تدني
مستويات الرواتب التقاعدية المبكرة الناتج بالأساس عن التخفيض أولاً ثم عن فترات
الاشتراك الأقل..!
ما ستلجأ إليه نقابة المهندسين لا يصب في مصلحة هؤلاء
الناس، ولا في مصلحة المجتمع ولا حتى في مصلحة النقابة وسمعتها الطيبة، خصوصاً وأن
هؤلاء الثلاثة عشر موظفاً الذين قررت إنهاء خدماتهم ما زالوا في سن العطاء،
ويمتلكون خبرات كبيرة، ولم يبلغوا الستين من أعمارهم، وكان الأمل في أن تحتفظ
النقابة بهم، خصوصاً وأنها لجأت إلى تعيين بعض الموظفين برواتب عالية جداً، ربما
تعادل في مجموعها مجموع رواتب هؤلاء الذين قررت إنهاء خدماتهم..!!
النقيب العزيز المهندس عبدالله عبيدات معروف بإنسانيته
ونزاهته واستقامته، وحرصه على تطبيق العدالة وعدم إلحاق الظلم بأي موظف أو عامل في
النقابة مهما كان مخالفاً له في الفكر أو التوجّه السياسي، ومن هذا المنطلق أتوجّه
للنقيب المحترم بنداء خاص بأن يوقف قرار أنهاء الخدمات المشار إليه، وأن لا يسمح
لنفسه بأن يكون وأن تكون النقابة سبباً في ظلم هؤلاء الناس وإلحاق الأذى بهم
وبأسرهم، فالعدالة تقتضي الإبقاء على هؤلاء الموظفين ما داموا قائمين بأعمالهم على
أكمل وجه، والنزاهة تقتضي ألاّ نظلم منْ يخالفنا الرأي أو الفكر أو حتى المعتقد،
كما أن
الحياد يقتضي إنصاف الشخص الكفؤ بصرف النظر عن لونه أو
فكره درجة القربى منه أو عدمها.. وفوق هذا وذاك فإن الإنسانية تقتضي منا وبخاصة في
أوقات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية أن نتحلى بأعلى درجات التسامح، وإني لأدعو
رئيس وأعضاء مجلس نقابة المهندسين الأردنيين إلى التراجع عن قرارهم المذكور وأن
يكونوا متسامحين عادلين وحياديين، وأن يوفوا هؤلاء الناس حقوقهم، ومن حقوقهم أن
يظلوا في أعمالهم ما داموا أهلاً لها..