ارهاب جغرافي!

لدى الناس في العالم كله معلومات وهواجس متفاوتة من حيث السعة والعمق عما سوف يحدثه الانقلاب المناخي من كوارث لا يُستثنى منها أحد، لكن التثقيف بهذا المجال محدود جداً لانهماك الناس في التاريخ وشجونه وما انتهى اليه في مطلع هذه الألفية من جنون وفقدان للتوازن، وحين قرأت ما كتبه «جون بادستا» عن الكوارث المحتملة بل الوشيكة بسبب تغير المناخ والانبعاث المتوقع للغاز بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينذر به كل هذا من نقص في الغذاء والماء وحدوث كوارث طبيعية مدمرة، اضافة الى ظهور أمراض عصية على العلاج، قلت لنفسي على الفور ان هذا توصيف دقيق لارهاب الجغرافيا والطبيعة وهو ارهاب ينافس ارهاب التاريخ ان لم يتفوق عليه، فماذا نحن فاعلون كبشر ازاء هذا النذير الذي لم يعد مبكراً، فالأجراس تقرع منذ زمن لكن الطرشان منصرفون الى شيء آخر تماماً ولم يمرّ وقت كان فيه البشر على اختلاف الثقافات والعقائد والألوان بحاجة الى تحالف استراتيجي في مواجهة هذا الارهاب كما هو الحال الآن، لكن الفنان جويا استبق زمانه وربما زماننا ايضاً عندما رسم رجلين يشتبكان ويتصارعان بينما تلتهم الدوامة سيقانهم وتقترب من أعناقهم.
نعرف ان للجغرافيا ديكتاتوريتها من حيث الواقع الجيواستراتيجي، وانها طالما حددت بوصلة التاريخ، لكن ما يحدث الآن أبعد من هذه الديكتاتورية.
انه ارهاب لا سبيل الى التعامل معه بما سمي تجفيف المنابع أو المطاردة، فالاعصار الامريكي ساندي تدخل في الانتخابات الرئاسية وأبطل مفعولها لأيام وقضى على عدد من الأمريكيين هم في النهاية من الناخبين، والنجاة من اعصار موسمي أو زلزال بدرجة غير مدمرة ليس معناه ان سكان هذا الكوكب حصلوا على بوليصة تأمين ضد الدمار، فالقادم هو الأسوأ ليس من خلال ما يقوله متشائمون سئموا الاقامة في هذا العالم، بل من خلال أرقام دقيقة واحصاءات يقدمها علماء، لكن الناس لا يقرأون، وان قرأوا فسرعان ما ينسون.
للبشرية إذن عدو أعتى من أي سلاح نووي هو هذا الكون الذي استخفوا به، وعبثوا بتوازنه الطبيعي وانتهكوا نواميسه، والأرجح ان دهاقنة الرأسمال في ذروة توحشه وبعد ان اضيفت الى مخالبه الطبيعية مخالب فولاذية كتلك التي أضيفت الى الكلاب البوليسية في امريكا لا شأن لهم بكل هذا لأنهم يتصورون بأنهم خالدون أو استثناء من هذا المصير المحتم، ولا يمكن لتجار السلاح وسماسرة الدم والحروب أن يصغوا الى ما يقوله العلماء، فهم أشبه بالضباع التي ان بقرت بطونها تلتهم أحشاءها.
الانشغال بالتاريخ وحصاده المُرّ وكل ما يفرزه من جنون وعصبيات وتطرف كان على الدوام على حساب الجغرافيا وما تفاجئنا به من انقلابات.
فاذا كان الهواء في خطر بعد ان ندر الاكسجين وامتلأ الفضاء بأكاسيد من مختلف الالوان والارقام، واذا كان الماء في خطر ويهدد المليارات بالظمأ وينذر بحروب مائية بديلة لحروب النفط، واذا كان الجسد الانساني مهدداً بأن يكون مجرد جيفة ترتدي ثياباً أنيقة.. فأي مستقبل لنا كبشر؟ وأي ارهاب مجهول وسكوت عنه يوشك على الاندلاع؟!
( الدستور )